بث تجريبي

المرأة فضائل وقِيَم!

المرأة أبجديّةٌ خلاّقةٌ من شأنها الإبداع والمعرفة والعمل الثّابت في الوجود البشريّ، وجوهرها أبدًا التّواصل المؤمن بجوهر الحقيقة.

تلك هي المرأة المناضلة.

تلك المرأة التي همّها بنـاء المجتمع الصّالح الذي عليه تُبنى مداميك مستقبل الأوطان،  جهودها رؤيةٌ وإعادة تجديدٍ وقراءةٌ في تعزيز حضورها في المجتمع الدّيمقراطيّ، فحضورها هو تثبيتٌ للعقل، وللمنطق، وللوجدان، وللمواطنة، وللإنسانيّة، وللسّياسة.

هذا من حيث تثبيت وجودها في المجتمع، أمّا من حيث هدفها فهي ليست بثمارها ولا بجمالها فحسب، بل هي هذا المثلّث: الكلاسيكيّ، الرّومنطيقيّ، الإيديولوجيّ، ما جعلها وحيًا يعكس ما في داخلها من جمالٍ وطيبٍ وأنوثةٍ  وشجاعةٍ  وأخلاقٍ سامية.

فهي تمثّل نصف المجتمع وتشكّل جزءًا أساسيّا من قواه النّاشطة، مشاركتها في جميع جوانب الحياة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ضروريّةٌ من أجل تحقيق التّنمية المستدامة والعدالة الاجتماعيّة، فالمرأة مثل الزّهور الرّبيعيّة، تفوح رائحتها العطرة أمام نسيم المعاملة، وهذا ما دفع الشّاعر والفيلسوف اللّبنانيّ "جبران خليل جبران" إلى القول: «من قلب المرأة الحسّاس تنبثق سعادة البشر، ومن عواطف نفسها الشّريفة تتولَّد عواطف النّفوس»[1]. وهذا القول يشدّنا إلى الاعتراف بأنّ المرأة هي زهرة الحياة، ولولاها لما كانت الحياة! وهذه الرّمزيّة هي قبل كلّ شيءٍ أسبقيّةٌ أونطولوجيّة، إذ إنّ جوهر المرأة المناضلة هو الأساس في بناء المجتمع الدّيمقراطيّ لما له من أهميّةٍ تكمن في علمٍ حياتيٍّ اجتماعيٍّ يهتمُّ بتطوير وتنميّة المجتمع وتقدّمه بعيدًا عن الأبعاد الماديّة.

لذا، فجوهر المرأة المناضلة يشبه ثمرة «جوزة الهند» التي، حين تحطّمها تجدها لبًّا نافعًا محاطاً بماء الحياة، أليست هذه الرّمزيّة الواقعيّة خير دليلٍ على أنّها مهما تعرّضت لاضطهادات تبقى شامخةً وشموخها يشّد المجتمع ويجبره على الاعتراف بقوّة وجودها وفعله؟ وإلاّ، فالمصيبة الكبرى ستقع على المجتمع إذا وجدت «جوزة الهند» جوفاء أو فيها دودة، ألا يصبح العالم حينها قابلاً للفناء الوجوديّ بسبب عدم تحديد الشّيء بجوهره؟ انطلاقًا من هذا الجوهر تظهر الأهميّة الأساسيّة في مساهمة المرأة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة، والسّلام والازدهار.

وعليه، فإنّ فلسفة المفكّر والفيلسوف والقائد عبدالله أوجلان في إرجاع المعنى الحقيقيّ لمفهوم المرأة، الحياة، الحريّة[2]؛ فلا يمكن الفصل بين المرأة والحياة والحريّة، حيث وصف ثورتها بأنّها ثورة الورد، لقد تعامل معها بعقله وقلبه، فالمرأة بالنّسبة إليه ليست مصدرًا للعشق والحبّ الرّخيص، بل هي من أهمّ المصادر التي تغني الحياة. انطلاقًا من هذه الفلسفة الخالدة قد ترى النّساء المناضلات بأنّ حريّة القائد عبدالله أوجلان تمثّل أهميّة المجتمع الدّيمقراطيّ المدافع عن حرّيتهنّ المصيريّة.

لذا فإنّ انخراط المرأة في المجتمع الدّيمقراطيّ يعزّز الواقع الاجتماعيّ في معظم مظاهره البنّاءة، وفي الوقت ذاته يعمل على التّأثير في سلوك الأفراد والجماعات من حيث ترسيخ القيم والحفاظ عليها، وبفضل تفوّقها تدعو المرأة إلى تفعيل شيم هادفةٍ في داخل المجتمع الدّيمقراطيّ الذي يملك شيمًا بعيدة كلّ البعد عن المنطق الرّأسماليّ.

ولكي نوضح دور المرأة في المجتمع الدّيمقراطيّ علينا أن نؤمن بأهمّيته المبنيّة على أبعادٍ رئيسة ثلاثة:

البعد الأوّل: وهو الذي يعتبر بأنّ القيمة الحقيقيّة لدور المرأة يكمن في كونها أساس المجتمع ومربيّة الأجيال، فهي تلعب دورًاً حيويًّا في بناء الأسرة والمجتمع، وتساهم في الحفاظ على الهويّة الوطنيّة والعادات والتّقاليد، حيث تدور حول موضوعٍ رئيسٍ ألا وهو الحياة المنتظرة.

البعد الثّاني: هو الذي يعتبر بأنّ القيمة الحقيقيّة لدور المرأة تكمن باهتمامها بحياة الإنسان اليوميّة من خلال اهتمامها بسعادة الآخرين، ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، وآلامهم، وتقديم الدّعم العاطفيّ والنفسيّ لهم، هذه الرّعاية والاهتمام هما جوهر مساهمتها الحقيقيّة في المجتمع، عبر منطقٍ واقعيٍّ منظور.

البعد الثّالث: وهو الذي يعتبر بأنّ قيمة دور المرأة تتأثّر بالواقع الاقتصاديّ (مثل فرص العمل والتّعليم والدّخل) التي تنعكس على وضعها ودورها الاجتماعيّ. 

وتتمحور أهميّة دور المرأة في المجتمع الدّيمقراطيّ حول:

1 - مشاركةٌ فاعلةٌ في الحوكمة

تلعب المرأة دورًا محوريًّا في العمليّات الدّيمقراطيّة، كناخبةٍ وقائدةٍ ومشرّعةٍ وفاعلةٍ في المجتمع المدنيّ، حيث تعكس مشاركتها الفعّالة القوانين والسّياسات البنّاءة التي تقرّب وجهات النّظر في سبيل تأمين احتياجات المواطنين كافّةً بكلّ رحابة، وهذا ما دفع بالمفكّر والفيلسوف البريطانيّ " جون ستيوارت ميل John Stuart Mill"[3]، إلى التّأكيد بأنّ "استبعاد المرأة عن السّياسة يهدر المواهب ويتناقض مع مبدأ المساواة في المجتمع، لأنّ قيمة الدّولة على المدى الطّويل هي قيمة الأفراد الذين تتكوّن منهم"، ولا يعتقد أنّه "يحقّ لأيّ مجتمعٍ إبعاد المرأة عن الانخراط في داخله لأنّ حياتها تنبع من حرّيتها ومن دون حرّية لا حياة لها في المجتمع".

2 - مناصرة الإصلاح الاجتماعيّ والعدالة

غالبًا ما تقود النّساء حركات من أجل التّعليم والرّعاية الصّحية وحقوق العمل والعدالة الاجتماعيّة، وهذا الاندفاع يعزّز الأسس الأخلاقيّة والإنسانيّة، كما يعزّز تماسك المرأة الاجتماعيّ وتعاطفها ومرونتها، حيث يُفضي انخراطها في التّعليم والصّحة إلى فوائد مشتركة فيما بين الأجيال الصّاعدة التي هي ركيزة المجتمعات، وهذا ما أكدّت عليه الكاتبة البريطانيّة المناصرة لحقوق المرأة "ماري وولستونكرافت" [4]Mary Wollstonecraft، "إنّ المرأة المتعلّمة والمثقّفة والنّاشطة هي ضرورةٌ لمجتمعٍ عادلٍ وحرّ"، لذا كان اقتراحها هو "وجوب معاملة كلاًّ من الرّجل والمرأة على أنّهما مخلوقان رشيدان، يصنعان نظامًا اجتماعيًّا يقوم على العقل".

3 - بناء السّلام وحلّ النّزاعات

تساهم المرأة بشكلٍ كبير في بناء السّلام، ولا سيّما في ديمقراطيّات ما بعد النّزاع، وتعزّز مشاركتها بالحوار والمصالحة والاستقرار الطّويل الأمد، وهذه الوقائع تنعكس عبر قرار الأمم المتحدة رقم 1325[5] بشأن المرأة والسّلام، هو قرارٌ رائدٌ ترأّسته القيادات النّسائيّة، حيث كان القرار الأوّل الذي يهدف إلى ربط تجربة النّساء في النّزاعات المسلّحة بمسألة الحفاظ على السّلام، وقد حثّ هذا القرار كلاًّ من مجلس الأمن والأمين العامّ والدّول الأعضاء وجميع الأطراف الأخرى لأخذ التّدابير اللاّزمة في المسائل المتعلّقة بمشاركة المرأة في عمليّات صنع القرار والعمليّات السّلميّة، والأخذ بدمج النّوع الاجتماعيّ في التّدريب وحفظ السّلم، وحماية المرأة.

4 - المساهمات الأخلاقيّة

تُقدّم النّساء رؤًى أخلاقيّةً متنوّعةً للخطاب الدّيمقراطيّ، فنلمس تركيزها في كثيرٍ من الأحيان على الرّعاية والتّعاطف والتّعاون، وهي قيمٌ أساسيّة لحياة مدنيّةٍ صحيّة، فتمكين المرأة يمكّن النّاتج المحليّ الإجماليّ، ويحدّ من الفقر، ويطوّر الابتكار، حيث تعطي المرأة صورةً عن الواقع الاجتماعيّ، تعبّر فيه عن معاناةٍ داخليّةٍ صميميّةٍ إنسانيّة، عملت جاهدةً على عدم ترك آثارًا قاهرة في حياة الأفراد والجماعات، فنراها تعمل جاهدةً على إعطاء الأفراد والجماعات عبرةً اخلاقيّةً بطريقةٍ غير مباشرة، عبر نشر تعاليم تتعلّق بالعلم والتّاريخ اللّذين يمكنهما أن يعطيا صورًا مجرّدةً دقيقةً للواقع الاجتماعيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ.

تقود النّساء جهوداً في مناطق النّزاع من أجل إحلال السّلام والمناصرة عبر تحدّي التّقاليد الضّارّة بفضل تسهيل السّياسات الشّاملة.

لقد أوضحت نظريّة "كارول جيليجان Carol Gilligan"[6]، "إنّ التّفكير الأخلاقيّ للمرأة يُكمّل النّماذج الدّيمقراطيّة التّقليديّة التي تُركّز على العدالة، لذا، إنّ الإناث يتحرّكن إلى المستوى الثّاني من التّطوّر الأخلاقيّ عندما يتذوّقن التّقاليد والأعراف الاجتماعيّة، وهذا التّطوّر يستند إلى فهم كيفيّة تطوير الأجيال للمبادئ الأخلاقيّة الاجتماعيّة، ودراسات العمليّات التي يتمّ من خلالها تزويد القوانين بالمعايير السّلوكيّة في المجتمع".

5 -  الشّرعيّة والمساواة

تقوم الدّيمقراطيّة على مبدأِ المساواة في التّمثيل، لأنّ استبعاد المرأة يُقوّض شرعيّتها. وهذا ما أكّده أمارتيا سين Amartya Kumar Sen [7]، "إنّ تمكين المرأة ضرورةٌ أخلاقيّةٌ ومحرّكٌ للتقدّم الدّيمقراطيّ والاقتصاديّ"، حيث يؤدّي تنوّع القيادة، بما في ذلك مشاركة النّساء في عمليّة صنع قرار أكثر شمولاً وفعاليّة، لا سيما في مجالات مثل التّعليم والصّحة والبيئة. تدعم دراسات الاتحاد البرلماني الدّولي إذ ذاك تظهر البرلمانات التي تضم عددًا أكبر من النّساء حيث تُقرّ قوانين أكثر تقدّميّة وتركّز على المواطن.

خلاصة القول

تعتبر المرأة من دعائم الدّيمقراطيّة ، بل هي صانعةٌ أساسيةٌ لها. فمن المشاركة السّياسيّة إلى إحلال السّلام والإصلاح الاجتماعيّ بتعدّد أدواره على جميع الأصعدة والمجالات كلّها، حيث تُعدّ أدوارها رئيسةً في تحقيق المُثل الدّيمقراطيّة الحقيقيّة البعيدة عن المصلحة الارستقراطيّة الاقطاعيّة التي كانت ولاتزال حائلاً قويًّا من دون ظهور قوّة إرادة المرأة المفكّرة. وقد أجمعت آراء فلاسفة مثل جبران خليل جبران، و عبدالله أوجلان و جون ستيوارت ميل ، ماري وولستونكرافت ، كارول جيليجان، وأمارتيا سين وغيرهم عن هذا الواقع الحياتيّ، إن الدّيمقراطيّة من دون الإدماج الكامل للمرأة هي ديمقراطيّةٌ غير مكتملةٍ وغير عادلة.

من هنا تتحدّى مشاركة المرأة الأعراف الأبويّة، وتعزّز حقوق الإنسان، وتدعم ثقافاتٍ ديمقراطيّة أكثر شمولاً، حيث إنّ الحرّية الحقيقيّة للجميع هي وقفٌ على تحرير المرأة وتمكين وجودها وحرّيتها وسعة أفق تفكيرها. وللمرأة المصلحة القويّة في الدّيمقراطيّة، لأنّ موقعها يعتبر من أعظم العوامل الداّعمة للقوميّة المبنيّة على حبّ الوطن والتعلّق بتراث الآباء والأجداد والغيرة على مصالح القوم والحنين لمرابع الطّفولة وكلّ هذه العوامل التي تناشد بها المرأة في المجتمع الدّيموقراطيّ  إلى دعم القوميّة المدنيّة الحديثة.

وعلى الرّغم من معاناة المرأة من عنف الرّجل طوال الحقب من السّنين، استطاعت بفضل قوّة شخصيّتها، التّحرر والانطلاق نحو تأسيس مجتمع يعطيها  الدّور الأساسيّ للمشاركة والاندماج  في إصلاح وتنمية المجتمع الدّيمقراطيّ، وهنا أشير إلى أنّ هناك العديد من الكتّاب والشّعراء، قد اعتبروا أنَّ المرأة هي أفضل بكثيرٍ من الرّجل، لأنّ المرأة خلقها اللهُ مثالاً للصّدق والتّضحيّة والأمانة وخير دليلٍ على ذلك النّساء اللّواتي استلمن قضايا اجتماعيّة وسياسيّة وعلميّة، قد ثبُت أنّهنّ أفضل من الرّجال.

لقد خلقت الحروب المتتالية في نفوس النّساء شعورًا قويًّا بالمأساة، وتركت آثارًا مفجعة في أوضاع الشّعوب التي كابدتها سواءٌ منتصرةٌ أو منكسرة، لذا كان من الطّبيعيّ أن ينشأ في أعقاب هذه الحروب تلك التي لا تزال حتى يومنا هذا، فهذا ما دفع الكثير من النّساء المناضلات المفكّرات والمتنورات إلى البحث في أسباب هذه المآسي الجماعيّة والفرديّة وتعقّب أسّسها الفكريّة والسّيكولوجيّة بشكلٍ خاص، بهدف تطبيقها عبر فهم طريقة تفكير النّاس وشعورهم وتصرّفاتهم، أو بهدف تطبيقه عبر الأنظمة الذّكية حيث بات استخدام الذّكاء الاصطناعي بالنسبة للنساء المناضلات مهمًّا جدًّا في حلّ المشاكل المعقّدة وتحليل البيانات واتّخاذ القرارات.

 .. نقلاً عن مجلة الأمة الديمقراطية

https://www.youtube.com/watch?v=KnF9adPT1AQ

قد يهمك