تختتم فرنسا عام 2025 غارقة في واحدة من أعقد أزماتها السياسية في تاريخ الجمهورية الخامسة، بعد سقوط حكومتين متتاليتين، وفشل البرلمان في إقرار الموازنة للعام الثاني على التوالي، في مشهد يعكس شللًا مؤسساتيًا غير مسبوق.
وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "أودوكسا–باكبون" ونشرته صحيفة "لوفيجارو" أن 47% من الفرنسيين اعتبروا عدم الاستقرار السياسي الحدث الأبرز خلال العام، متقدمًا على عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض (40%)، وأزمة القدرة الشرائية (40%)، ثم الحرب في أوكرانيا (33%)، والعدوان على قطاع غزة (27%).
بدأ العام بتفاؤل حذر مع تولي الوسطي فرانسوا بايرو رئاسة الحكومة أواخر 2024 بدعم اتفاق برلماني لعدم سحب الثقة. غير أن هذا التوافق الهش سرعان ما تفكك، بعدما أخفق بايرو في احتواء الانقسامات العميقة داخل الائتلاف الحاكم.
وبحسب صحيفة "ليبراسيون"، شهد ربيع وصيف 2025 اضطرابًا سياسيًا واسعًا بسبب خلافات حول ضريبة زوكمان، وإصلاح نظام التقاعد، واستخدام المادة 49.3 من الدستور، فضلًا عن الخلافات بشأن المشاركة في الحكومة.
وفي 8 سبتمبر، أنهى البرلمان تجربة بايرو بعد رفض منحه الثقة بـ364 صوتًا مقابل 194، لتنتهي ولايته بعد أقل من تسعة أشهر وتدخل البلاد فصلًا جديدًا من الفوضى السياسية.
في 9 سبتمبر، عيّن الرئيس إيمانويل ماكرون سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء. غير أن حكومته الأولى لم تصمد سوى 836 دقيقة بعد إعلانها رسميًا في 5 أكتوبر، قبل أن يقدم استقالته في 6 أكتوبر، مسجلًا أقصر مدة حكم لرئيس وزراء في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وفي 10 أكتوبر، أعاد ماكرون تكليفه مجددًا في محاولة يائسة لإنقاذ المشهد السياسي، لكن البرلمان ظل ساحة صدامات مفتوحة وتحالفات متحركة أشبه بمسرح سياسي عبثي.
تعمّقت الأزمة بانقسام اليسار الفرنسي بين تيار "فرنسا الأبية" والاشتراكيين الديمقراطيين، وتبادل الاتهامات بشكل علني. كما انسحب زعيم حزب الجمهوريين برونو روتايو من الحكومة لتكريس توجه يميني أكثر تشددًا.
وبحسب الاستطلاع، رأى 50% من مؤيدي فرنسا الأبية أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الحدث الأهم، بينما ركّز 57% من أنصار التجمع الوطني على تراجع القوة الشرائية.
تُغلق فرنسا عام 2025 من دون موازنة مصوتة، بعدما اضطرت الحكومة إلى تمرير قانون استثنائي لتمديد العمل بموازنة العام السابق مؤقتًا لتجنب شلل إداري كامل، في مشهد يعكس عمق المأزق السياسي والمؤسساتي.
يتطلع الفرنسيون إلى 2026 بأولويات واضحة: تعزيز القوة الشرائية (43%)، مكافحة الجريمة (42%)، الحد من الهجرة (35%)، تقليص الفقر (31%)، وخفض الضرائب (27%)، وسط شكوك واسعة في قدرة أي حكومة قادمة على تحقيق الاستقرار.
ويختصر عام 2025 المشهد الفرنسي في جملة واحدة: أزمة حكم مفتوحة بلا أفق سياسي واضح.
من زوايا العالم
من زوايا العالم