بث تجريبي

ليس شيكا على بياض.. كيف ينعكس إلغاء "قانون قيصر" على السوريين؟

يشهد السوريون لحظة وُصفت بالتاريخية، عقب مصادقة مجلس النواب الأمريكي على إلغاء "قانون قيصر" الذي أثقل البلاد وعزل اقتصادها لسنوات طويلة، في انتظار التصويت المرتقب في مجلس الشيوخ ثم توقيعه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وما إن انتهت عملية التصويت في مجلس النواب حتى عمّت مظاهر الفرح مختلف المناطق السورية، حيث خرج المواطنون إلى الشوارع احتفالاً بما اعتبروه خطوة أولى نحو رفع المعاناة وفتح باب التعافي الاقتصادي، رغم ما يرتبط بذلك من اشتراطات.

قانون قيصر

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت "قانون قيصر" عام 2019 ضد النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد، قبل أن يسقط في العام الماضي، متسبباً بعزلة اقتصادية خانقة ومنع أي استثمارات أو تعاملات دولية مع القطاعات الحيوية في سوريا، بما في ذلك الطاقة والطيران والبناء، فضلاً عن تعطيل النظام المالي السوري عن الارتباط بالأسواق العالمية.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن العقوبات أصابت الاقتصاد السوري بالشلل وأثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين، إذ حمل الشعب وحده أعباء القيود، بينما تراجعت القدرة الإنتاجية وارتفعت تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تعهد خلال لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في مايو الماضي برفع جميع العقوبات، غير أن إلغاء "قيصر" لم يكن ممكناً إلا عبر تشريع يصدره الكونغرس.

عودة إلى المحيط الاقتصادي؟

ويرى محللون أن رفع العقوبات سيمهّد لعودة سوريا إلى محيطها الاقتصادي ويفتح الباب أمام مشاركتها مجدداً في مشاريع الطاقة الإقليمية، إلى جانب تحرير القطاع المصرفي واستقطاب التدفقات الاستثمارية الضرورية لبدء عمليات إعادة الإعمار وتشغيل القطاعات المتوقفة.

كما يُتوقع أن يسهم ذلك في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، مع عودة الخدمات الأساسية إلى وضع أكثر استقراراً.

فالعقوبات السابقة كانت قد حدت من إنتاج الكهرباء، واضطر السوريون إلى الاعتماد على المولدات الخاصة بتكاليف مرتفعة أو العيش في فترات انقطاع طويلة، بينما يُتوقع أن تشجع العودة المحتملة للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة على زيادة الإنتاج وخفض الأسعار.

كما يرجّح أن تؤدي الخطوة إلى توفير أكبر للسلع الأساسية في الأسواق بعد أن كانت تكاليف الشحن والتأمين تعيق تدفقها، وهو ما قد ينعكس على استقرار الأسعار وتنوع الخيارات أمام المستهلك.

أما في المجال المالي، فمن المتوقع تحسن وفرة النقد الأجنبي وتطور بيئة الأعمال، مما يساعد على نمو اقتصادي أسرع من التقديرات السابقة. وتشمل الانعكاسات أيضاً القطاع الصحي، إذ كانت العقوبات تعطل استيراد الأدوية والمعدات الطبية وتؤخر عمل المنظمات الإنسانية، بينما قد يسمح رفعها بتسهيل وصول الإمدادات العلاجية دون عوائق.

ويبرز كذلك تأثير القرار على قطاع السياحة، حيث أوضح وزير السياحة مازن الصالحاني أن تخفيف القيود سيوسّع آفاق الاستثمار في هذا المجال، ويمكّن سوريا من تعزيز حضورها على خريطة السياحة الإقليمية والدولية، مما يخلق فرص عمل جديدة ويدعم الدورة الاقتصادية.

شروط
ولكن رغم أن القانون يلغي العقوبات فعلياً، إلا أنه يستبدلها بآلية رقابية دورية تُلزم البيت الأبيض بتقديم تقارير إلى الكونجرس كل 90 يوماً ثم كل 180 يوماً لمدة أربع سنوات، تتضمن:

- مكافحة الإرهاب والجماعات المتشددة.

- حماية حقوق الأقليات الدينية والإثنية.

- إبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا.

- الامتناع عن أي عمل عسكري غير مبرر ضد الجوار.

- التقدم في تنفيذ اتفاق 10 مارس 2025 مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

- مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمخدرات.

- ضمان تمثيل عادل في الحكومة والبرلمان.

- ملاحقة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

وبالتالي هذه الشروط غير ملزمة قانوناً لإبطال الإلغاء، لكنها تشكل آلية ضغط سياسية وأمنية على الحكومة السورية الجديدة، أي أن القرار ليس شيكا على بياض.

وبين التفاؤل الشعبي والترقب الرسمي، ينتظر السوريون استكمال الإجراءات التشريعية في الولايات المتحدة، على أمل أن يشكّل رفع "عقوبات قيصر" بداية مرحلة جديدة تستعيد فيها البلاد جزءاً من استقرارها الاقتصادي وقدرتها على التعافي.

قد يهمك