أثارت مجلة "نيوزويك" الأمريكية تساؤلات حول ما إذا كانت الصين تسعى لاستعادة أراضٍ فقدتها للشرق الأقصى الروسي خلال ما وصفته المجلة بـ"قرن الإذلال"، مشيرة إلى أن خطوات بكين الأخيرة تُغذّي النقاش بشأن مستقبل أطول حدود برية في العالم، رغم التقارب الواسع بين البلدين على الساحة الدولية.
وبحسب التقرير، فإن وزارة البيئة الصينية اعتمدت في عام 2023 خرائط رسمية جديدة تُظهر مدنًا في الشرق الأقصى الروسي، مثل فلاديفوستوك، بأسمائها التاريخية الصينية، كما صُوِّرت جزيرة عند التقاء نهري أوسوري وأمور—وهي منطقة شهدت نزاعات حدودية طويلة وانتهت باتفاق عام 2008—على أنها جزء من الأراضي الصينية بالكامل. وأثار ذلك، إلى جانب تزايد شراء الشركات الصينية للأراضي الزراعية واستئجار مساحات لمدد طويلة داخل روسيا، اهتمامًا واسعًا.
وتقول المجلة إن قوميين صينيين يطالبون علنًا باستعادة أراضٍ تنازلت عنها سلالة تشينج الضعيفة لصالح روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، فيما تتجنّب بكين ترديد هذه الدعوات، وتؤكد في المقابل أهمية العلاقة مع موسكو، خاصة مع الدعم المتبادل الذي ظهر خلال الفعاليات الرسمية، ومنها مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عرض عسكري في بكين خلال يونيو الماضي.
وتُبرز "نيوزويك" اعتمادًا اقتصاديًا متزايدًا بين الجانبين؛ فالصين تُعد مستوردًا رئيسيًا للطاقة الروسية، وأسهمت في دعم الاقتصاد الروسي عبر تعزيز التجارة الثنائية واستخدام اليوان في المدفوعات، فيما تستفيد من علاقات دبلوماسية وثيقة تُسهم في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب في مواجهة النفوذ الأمريكي.
وفي المقابل، ظهرت مخاوف داخل روسيا بشأن احتمال تحول البلاد إلى "شريك ثانوي" في العلاقة، مع تحذيرات من شخصيات إعلامية مقربة من الكرملين من أن الاعتماد المفرط على الصين قد ينعكس سلبًا على موسكو. كما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى وثيقة مسرّبة من الاستخبارات الروسية تُظهر قلقًا من محاولات صينية لتعزيز نفوذها، تشمل تجنيد مواطنين روس وتوسيع عمليات التجسس.
ويرى خبراء تحدثت إليهم "نيوزويك" أن فهم دوافع بكين يستلزم النظر إلى سياق أوسع. فبحسب باتريك كرونين من معهد هدسون، ينظر الرئيس الصيني شي جين بينج إلى روسيا باعتبارها شريكًا أساسيًا في بناء نظام عالمي جديد، لكن هذا لا يلغي رغبة بكين في تعزيز سيادتها تدريجيًا عبر تكتيكات سياسية واقتصادية وأمنية. ويشير كرونين إلى أن الصين تبدو مستعدة لزيادة نفوذها عبر الحدود المشتركة باستخدام اختراقات إلكترونية وتحركات اقتصادية تستفيد من هشاشة الاقتصاد الروسي.
من جانبه، يرى لايل جولدشتاين، من مركز "أولويات الدفاع"، أن العلاقات بين بكين وموسكو لم تكن أقوى من الوقت الراهن، رغم بعض الخلافات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا. ويؤكد أن الضغوط الغربية المشتركة على البلدين أسهمت في تقوية روابطهما، مشددًا على أن العلاقات لم تشهد أزمات كبيرة منذ ثلاثة عقود، ولا يبدو أن أزمة تلوح في الأفق حاليًا.
منبر الرأي