أقرّ مجلس الأمن الدولي مساء الاثنين 17 نوفمبر 2025 مشروع قرار أمريكي معدل يؤيد خطة "دونالد ترامب" الرئيس الأمريكي التي ضمت 20 بندًا لوقف الحرب في قطاع غزة، ويدعو إلى تنفيذها بالكامل والحفاظ على وقف إطلاق النار، وقد حمل القرار رقم 2803، وشهد تصويت 13 عضوًا في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار.
ويتضمن القرار عدد من البنود التي تم التصويت عليها أبرزها:
• دعوة الأطراف لتنفيذ الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في قطاع غزة بالكامل والحفاظ على وقف إطلاق النار دون تأخير.
• تأسيس مجلس السلام باعتباره هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية للإشراف على إعادة إعمار غزة حتى استكمال برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، مع إضافة عبارة تؤكد أن عمل المجلس يجب أن يتماشى مع مبادئ القانون الدولي.
• استكمال إصلاح السلطة الفلسطينية والتقدم في إعادة الإعمار قد يهيئان الظروف لمسار نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية، مع فتح حوار أميركي بين الأطراف حول الأفق السياسي.
• ضرورة استئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بالتعاون مع مجلس السلام، وضمان أن يقتصر استخدامها على الأغراض السلمية.
• إنشاء كيانات تشغيلية للدول المشاركة ومجلس للسلام ذو سلطات دولية لإدارة الحكم الانتقالي والإعمار والخدمات والمساعدات وتنظيم حركة الدخول والخروج من القطاع.
• يوجه مجلس الأمن دعوة للبنك الدولي والمؤسسات المالية لدعم إعادة إعمار غزة وإنشاء صندوق مخصّص لهذا الغرض.
• إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة في قطاع غزة تعمل تحت قيادة موحدة يقبلها مجلس السلام، وبالتنسيق مع مصر وإسرائيل، ولها حق استخدام كل الإجراءات اللازمة وفق القانون الدولي لتنفيذ مهامها.
• ينص على أن قوة الاستقرار ستعمل على تجريد غزة من السلاح وحماية المدنيين وتدريب الشرطة الفلسطينية والمساعدة في تأمين الممرات الإنسانية.
• ستعمل القوة الدولية بموجب القرار، أيضا على مساعدة مجلس السلام في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام الترتيبات التي قد تكون ضرورية لتحقيق أهداف الخطة الشاملة.
• يذكر القرار أنه مع تقدم السيطرة ستنسحب قوات الجيش الإسرائيلي وفق معايير وجدول زمني متفق عليه.
• يحدد القرار انتهاء ولاية مجلس السلام والوجود الدولي المدني والأمني في 31 ديسمبر 2027 ما لم يقرر المجلس خلاف ذلك.
• يدعو القرار الدول والمنظمات لتقديم الدعم المالي واللوجستي لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية، وتقديم المجلس تقريرًا كل 6 أشهر.
مواقف مختلفة تجاه القرار :
- السلطة الفلسطينية : رحبت السلطة الفلسطينية بقرار مجلس الأمن الدولي، ورأت أنه يؤكد تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والشامل في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، ويؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة.
- "حماس" رأى أعضاء التنظيم أن القرار لا يرتق إلى مستوى مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني السياسية والإنسانية، كما أنه يفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة، وهو ما يرفضه الشعب الفلسطيني وفصائله، كما يفرض آلية لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة، ويحول المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط وابتزاز تخضع لإدارة أجنبية، بما يهمّش المؤسسات الفلسطينية ويقوّض عمل الأونروا.
- موقفي روسيا والصين:
ويذكر أن روسيا والصين امتنعت عن التصويت، دون أن تستخدم أي منهما حق النقض (الفيتو)، حيث برر "فاسيلي نيبينزيا" مندوب روسيا موقف بلاده بأنها لم تستطع دعم القرار الذي لا يؤكد على حل الدولتين، وأنهم تلقوا تصريحات عامة لا لبس فيها من أعلى مستويات القيادة الإسرائيلية تفيد بأنه من غير المقبول إقامة دولة فلسطينية، وأن القرار يسمح لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية بالتصرف باستقلالية مطلقة "دون أي اعتبار لموقف أو رأي" للسلطة الفلسطينية، مما قد يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية المحتلة، أما المندوب الصيني فبرر موقف بلاده بأن القرار يحدد ترتيبات حوكمة غزة بعد الحرب، لكن هناك غياب تام لفلسطين، وأن السيادة الفلسطينية وملكية الفلسطينيين لا تنعكسان بشكل كامل على القرار، كما أنه لم يؤكد صراحة على حل الدولتين.
- الدول العربية والإسلامية أعلنت دعمها النسخة النهائية لمشروع القرار ودعت إلى اعتماده.
- الجانب الإسرائيلي: رأى مؤيدي"ابن يامين نتنياهو" رئيس الوزراء، وأنصار اليمين عامة، أن مسودة القرار تُعد تهديداً استراتيجياً ملموساً، ويُنظر إليها كخطوة محتملة نحو فرض مسار لا رجعة فيه لدولة فلسطينية، ويرون أن هناك تمرير لفكرة الدولة الفلسطينية من الباب الخلفي.
وعلى الجانب العملي نجد أن إسرائيل بالرغم من الجهود الدولية المبذولة لتفعيل خطة السلام بغزة إلا أنها على أرض الواقع لم تلتزم بما توجبه عليها الخطة أمام المجتمع الدولي، حيث أكد مكتب إعلام غزة الحكومي أن قوات الاحتلال ارتكبت خلال 50 يومًا على دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ 591 خرقًا أسفرت عن استنشهاد 357 شهيدًا و903 إصابة، ناهيك عن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
مشاركة قوة دولية في غزة واستبعاد تركيا
من المقرر أن تشارك عدد من الدول في القوة متعددة الجنسية التي ستضطلع بمهمة حفظ السلام في غزة، لتحقيق الاستقرار، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تجري محادثات مع قطر ومصر وتركيا (الوسطاء) في هذا الصدد، وسط وجود اهتمام من إندونيسيا وأذربيجان بالمشاركة في هذه القوات، وعدد من الدول الأخرى رحبت بالمشاركة سواءً كان ذلك ماليًا أو بشريًا أو كليهما معًا، لذا يتطلب الأمر استصدار قرار من الأمم المتحدة، لأن قوانينها المحلية تقتضي ذلك، ومع ترحيب أنقرة بالمشاركة، وإعلان "أردوغان" الرئيس التركي جاهزية بلاده لإرسال قوات للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية بغزة، وكذا الإعلان عن إنشاء لواء جديد لحفظ السلام، بالرغم من إصرار إسرائيل على إعلانها رفضها مشاركة قوات تركية في هذه القوة، وأن طلب استبعاد تركيا من قوة حفظ الاستقرار سيكون مثيرًا للجدل، نظرًا لكونها أحد ضامني اتفاق "ترامب" المكون من 20 نقطة لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أن "ماركو روبيو" وزير الخارجية الأمريكي صرح بأن هناك شرطًا يجب توافره في الدول المشاركة في القوة الدولية، وهو أن تكون إسرائيل "راضية" عن جنسية القوة متعددة الجنسيات، المُشكّلة لمنع حدوث فراغ أمني عند بدء مهمة إعادة إعمار غزة.
ويمكن تبرير الرفض الإسرائيلي لتواجد تركي في قوات حفظ الاستقرار بغزة، بما يلي:
- بعد عملية "طوفان الأقصى" الذي نفذته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، عاد الخطاب العدائي من جديد، الذي كان قد دام 10 سنوات بعد مقتل عشرة ناشطين أتراك إثر الهجوم الإسرائيلي على سفينة “مرمرة الزرقاء” عام 2010،أثناء محاولتها كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وانتهىالخطاب العدائي بحقبة جديدة من العلاقات الإسرائيلية والتركية في 2020.
- و في أكتوبر 2023 اتهم "أردوغان" الحكومة الإسرائيلية بارتكاب إبادة جماعية، وقارن " نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي بـهتلر، ولوّح بالتدخل العسكري، وردًا على ذلك، طرحت إسرائيل فكرة طرد تركيا من حلف شمال الأطلسي (ناتو).
- تطور الأمر إلى سحب أنقرة وتل أبيب سفيريهما، وتم تعليق الرحلات الجوية بين الجانبين، ومن ثم أغلقت تركيا مجالها الجوي وموانئها أمام السفن والطائرات الإسرائيلية، ومؤخرًاأعلن "هاكان فيدان" وزير الخارجية التركي تجميدًا كاملًا للعلاقات التجارية مع إسرائيل.
- إصدار محكمة تركية، في مطلع نوفمبر، مذكرة توقيف بحق "نتنياهو" ومرافقيه بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، وعلى إثر ذلك، صرّحت متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية: “لن تكون هناك قوات برية تركية لا الآن ولا في المستقبل.”
- إسرائيل ترى بأن تركيا إحدى القوى الداعمة والمؤيدة لتنظيم "حماس" العدو الأول لها، حتى أن "حماس" من جهتها تتمنى مشاركة أنقرة في القوة، وأن يكون لها حضور في القطاع المدمر، سواءً من ناحية الأمن أو إعادة الإعمار.
- ترى إسرائيل أن الوجود العسكري التركي في غزة سيعزز من مكانتها في الإقليم، وأنها حال قدومها فلن يكون من السهل إخراجها من القطاع كما حدث في أماكن أخرى، لاسيما مع التواجد التركي في أنحاء مختلفة من المنطقة من قبرص إلى ليبيا إلى غرب أفريقيا، وصولاً إلى القرن الأفريقي والسودان وغيرها، يؤسس لنفوذ مستدام لأنقرة في تلك النقاط الإستراتيجية التي اختيرت بعناية.
- تخوف تل أبيب من أن الانخراط التركي الفعال في غزة سيقوي العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ويدفعهما لمزيد من التعاون الدولي في ملفات أخرى، في إشارة ربما إلى ملف الحرب الروسية الأوكرانية الأهم حاليًا لدى الرئيس الأمريكي "ترامب".
- ناهيك عن الصراع المحموم بين الجانبين التركي والإسرائيلي في سوريا بعد سقوط نظام "الأسد"، إضافة لسباق النفوذ المحتدم بينهما للسيطرة على الشرق الأوسط.
ولكن الأمر في نهاية المطاف قد يرجع إلى قرار الجانب الأمريكي في السماح بمشاركة القوات التركية في غزة من عدمه، وذلك نظرًا للعلاقات والمصالح بين الجانبين التركي والأمريكي، ومنها:
- الاعتماد على تركيا كوسيط دولي وإقليمي من خلال انخراطها في أكثر من أزمة، ولا سيما الحرب الروسية الأوكرانية باعتبارها وسيط محايد يمكن الاعتماد عليه كمضيف لقمم الوساطة بين الطرفين، يستهدف خلق أرضية مشتركة بين موسكو وكييف في ظل تعقد الأوضاع في الفترة الحالية، وفي الشرق الأوسط، تأتي أهمية تركيا باعتبارها حليف متعدد الآليات والأدوار مع امتلاكها نفوذ إقليمي صاعد، ولذلك تسعى إدارة "ترامب" للاعتماد على أنقرة كورقة رابحة لتحجيم النفوذ الدول غير الحليفة بالشرق الأوسط، ولا سيما بسوريا مثل روسيا، إضافة إلى اعتبارها قوة ردع للنفوذ الإسرائيلي الذي يخرج أحيانًا عن فلك الإدارة الأمريكية التي لا تسعى إلى فقدان حلفائها الغربيين.
- العلاقات التجارية والصفقات بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث سعت الإدارة الأمريكية مؤخرًا لإبرام عدة صفقات وآليات مع الجانب التركي لانعاش الاقتصاد الأمريكي ومن بينها، تعزيز العلاقات التجارية من خلال مراجعة الرسوم الجمركية لرفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين مُستهدفة الوصول إلى 100 مليار دولار في السنوات المقبلة، واعتزام الولايات المتحدة مد الجانب التركي بنحو 75 طائرة أمريكية من طراز Boeing 787، إضافة إلى 150 طائرة من طراز Max 737، مع وضع مقاتلات F-35 على قائمة الانتظار لحين نظر الإدارة الأمريكية في شأن وقف أنقرة اعتمادها على الغاز الروسي من عدمه.
وبشكل عام فإن إسرائيل بالرغم من إقرار مجلس الأمن لمشروع القرار الأمريكي المعدل لخطة "ترامب" للسلام بغزة، إلا أن إسرائيل تهدد هذا السلام المزمع إحلاله، وذلك من خلال ممارساتها العدائية دون الاكتراث بالجهود والقوانين الدولية لتحقق أهدافها في المنطقة، وهذا يؤثر بدوره على موقف الدول التي كانت تعتزم إرسال قوات دولية لغزة فباتت تشترط وقف القتال كليًا قبل إرسال القوات وهو ماتطلبه دولة كأذربيجان، أو يطالب بعضهم بأن تقوم قواتهم بمهام خاصة بالصحة والبنية التحتية، في تخوف حول كيفية معاملة القوات التي سيتم إرسالها، وعلامات استفهام حول الضمانات التي ستمنح لهذه القوات، لاسيما مع غياب الضغط الحقيقي دوليًا على إسرائيل لإجبارها على الالتزام، مما قد يفتح الباب أمام بعض الدول "كتركيا" التي قد تسعى لتوسيع تواجدها في مناطق متفرقة من الإقليم واسترجاع نفوذها العثماني من خلال إجراء تفاهمات بعينها مع الجانب الأمريكي، لاسيما في ظل توافر بيئة خصبة من المصالح المشتركة وتعامل "ترامب" مع كافة قضايا المنطقة بعقلية التاجر الذي يسعى للكسب من كل الصفقات.