بالرغم من وقوع بعض المخالفات والتجاوزات والشوائب السلبية بالمرحلة الأولى للانتخابات المصرية البرلمانية على مقاعد الفردي، مما أدى بالهيئة الوطنية للانتخابات إلى اتخاذ قرارها بإعادة الانتخابات داخل ١٩ دائرة مع استبعاد من يثبت تقصيره في الدوائر الانتخابية التي شهدت هذه المخالفات وعدم مشاركتهم أصلًا بالانتخابات المقبلة، فإن المرحلة الثانية تميزت خلال اليوم الأول من فتح لجان الانتخابات بإقبال كثيف من الناخبين للإدلاء بأصواتهم داخل صناديق الانتخابات سواء على المقاعد الفردية أو على مستوى القوائم المطلقة.
من المؤكد أن نزول الناخبين من منازلهم حتى لا يُتهموا بانضمامهم لحزب الكنبة كما يحلو للبعض ترديد هذا الوصف، أساسه شعورهم بالطمأنينة في عدالة البيئة الانتخابية بعد أن طالب السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتدوينته الإلكترونية عقب رصد بعض الشوائب التي اعترت المرحلة الأولى للانتخابات، بمراجعة الإجراءات التي شابت العملية الانتخابية على المقاعد الفردية.
استشعر الناخبون أن الرئيس انتصر لإرادتهم، مما دفعهم للتواجد أمام اللجان منذ الصباح الباكر وحتى آخر وقت مقرر للتصويت، خاصة بعد أن وجهت الهيئة الوطنية للانتخابات القضاة بتسليم الحصر العددي للأصوات للمرشحين ووكلائهم فقط فور انتهاء العملية الانتخابية التي تجرى بأجواء ديمقراطية، وبالتالي استشعر الجميع أن أصواتهم لن تضيع سدى.
ولم تقتصر الضمانات الانتخابية لإجرائها في بيئة عادلة على الانحياز الكامل للرئيس لإرادة الناخبين التي تؤهل من له الحق في الجلوس تحت قبة البرلمان، بل شملت أيضًا الفصل في الطعون خلال ٢٤ ساعة فقط من تسلم الهيئة الوطنية للانتخابات التظلم، بجانب ما ننتظره الأربعاء الجاري من حجز المحكمة الإدارية العليا ٢٥٩ طعنًا للنطق بالحكم، وهو ما يدل على احترام مؤسسات الدولة للقانون بحصول كل صاحب حق على حقوقه.
أتصوّر أن سرعة التحرك لطرح مجموعة الضمانات التي تستهدف احترام إرادة الناخب من شأنها أن تعزز من فرص بناء تجربة ديمقراطية سليمة تقود إلى حياة سياسية صحية، وتكشف عن كفاءات سياسية جديدة وأصوات وطنية طموحة وجادة.
وتظل الفرص الحقيقية أمام أطراف العملية السياسية سانحة ومطروحة لتطوير أدواتها وتغيير أساليب أدائها وعملها بما يتواكب مع احتياجات الفترة الراهنة والمقبلة، لضخ دماء جديدة في شرايين النخب السياسية عبر تمكين المرأة والشباب سياسيًا واقتصاديًا.
أعتقد أنه مطلوب من الأحزاب السياسية خلال المرحلة القادمة أن تتحول إلى حاضنات حقيقية لتفريخ الكوادر الوطنية والسياسية القادرة على الحوار التشاركي الفعّال بما يدفع لإصلاح سياسي وتنشيط الحياة السياسية، وبشكل يعزز من استدامة الاستقرار ودعم قدرات الدولة.
أتصور أن حسن الاختيار من جانب الناخبين لمرشحيهم أو من يمثلونهم، وفقًا لمعايير الخبرة والكفاءة والنزاهة والقدرة على الأداء، يساهم في بناء وتشكيل مجلس نواب يضم أعضاء قادرين على التجاوب والتعاطي مع متطلبات المرحلة الراهنة، سواء من خلال إصدار التشريعات التي تساعد على حل مشكلات المجتمع أو فيما يتعلق بمراقبة أداء الحكومة، وذلك في إطار من التكامل الذي يخدم العمل الوطني ويدعم مسيرة الإنجاز التي نشهدها للوصول إلى تحقيق التنمية المستهدفة والمستدامة.
نجح المصريون من خلال مشاركتهم بكثافة في التواجد أمام لجان الانتخابات في إطلاق رسالة للخارج مفادها تكاتفهم مع دولتهم ومؤسساتها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية وقدرتهم على التصدي لأهل الشر. كما أنهم عكسوا الوجه الحضاري المشرق لتعزيز ممارسة الديمقراطية من خلال ممارسة حقوقهم السياسية في اختيار ممثليهم، مستلهمين حدثًا تاريخيًا وقع منذ أيام بافتتاح المتحف الحضاري الكبير وتقديمه هدية للعالم.