بث تجريبي

بدون إحراج/ سيد أبو اليزيد يكتب: خارطة طريق للتكامل الديمقراطي

دمج الشعب الكردي يستلزم الاندفاع والتوجه نحو تركيا الديمقراطية التي تستهدف تغيير القوانين، وخاصة المتعلقة بتقييد الإصابات الجماعية والانتهاكات والحريات أو الإرهاب، ودعم عملية التكامل الديمقراطي كمفهوم لعملية السلام، نظرًا لأنها الإطار الذي يربط بين التنوع والوحدة الوطنية بطريقة تعزز الاستقرار والتنمية بدلًا من الخلاف الذي يؤدي إلى الصراع والتهميش.

ولضمان نجاحها، لا بديل عن إطلاق سراح القائد الكردي عبد الله أوجلان، وأيضًا السجناء السياسيين ما لم تكن هناك جرائم جسيمة معترف بها قضائيًا، وتفادي الوصاية على المناطق التي سيتركز فيها الكرد، خاصة أنهم يمثلون على الأقل ٢٥٪ من مكونات الدولة التركية، فضلًا عن بسط اللغة الكردية في التعامل على كافة المستويات الرسمية.

ومن المتصوَّر أنه بعد استماع لجنة الأخوة والتضامن الوطني المشكلة من البرلمان التركي لأطراف القضية الكردية، سيتم اتخاذ خطوات متسارعة للوصول إلى عملية تسوية شاملة، وهذا من شأنه تقوية الموقف التركي، خاصة بعد اتجاهه المزمَع مؤخرًا لإعداد قانون يستهدف تمكين الآلاف من المدنيين والمقاتلين السابقين في حزب العمال الكردستاني من العودة إلى تركيا.

ولتحقيق التكامل الديمقراطي بين الكرد والترك، ينبغي مراعاة إدراج حماية حقوق ولغات الأقليات، والنص صراحة على الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية داخل الدستور بشكل واضح، والاتجاه نحو إلغاء أو تعديل نصوص تقييد حرية التعبير والتنظيم السياسي للأقليات، ومنح صلاحيات تنفيذية ومالية أوسع للبلديات والإدارات المحلية بالمناطق ذات الأغلبية الكردية.

ومن المهم طرح آليات رقابة ومساءلة محلية تضمن الشفافية وتقلل الاعتماد على المركزية في اتخاذ القرار، مع التوجه لتحقيق آليات للتمثيل الحقيقي في البرلمان، وضمان مشاركة الكرد في الحكومة التنفيذية والمناصب القيادية بالدولة، والسماح بالتعليم الرسمي والإدارة باللغتين التركية والكردية بالمناطق ذات الغرض، مع طرح مناهج متوازنة ودعم الفنون والثقافة والإعلام باللغة الكردية دون رقابة تعسفية.

أدرك أن التكامل الديمقراطي لا يُلغي الهويات الفردية كالكردية أو العربية أو غيرها، بل يدمجها ضمن هوية وطنية شاملة تقوم على المواطنة والعدالة، وعندما يشعر الجميع بأنهم جزء من مشروع وطني، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تقليل احتمالات الانفصال أو النزاعات الداخلية.

كما أن التكامل الديمقراطي يقودنا إلى تطبيق الحقوق والواجبات على الجميع دون تمييز عرقي أو ديني أو لغوي، مما يعزز مبدأ المواطنة المتساوية، خاصة أنه يتيح أيضًا مشاركة الجميع في توزيع الموارد والفرص بشكل عادل، مما يقلل من التفاوت الطبقي.

ولا يمكن إغفال طرح مناهج دراسية تعالج التاريخ بطريقة موضوعية لتقليل الأحكام المسبقة وتعزيز المواطنة المشتركة، كما أن احترام التنوع الثقافي يخلق شعورًا بالانتماء المشترك ويحد من التوترات الاجتماعية، مع مراعاة أن الاختلاف في اللغات والثقافات يمكن أن يصبح رصيدًا ثقافيًا واقتصاديًا وليس عبئًا سياسيًا.

ولعل من أبرز التحديات التي يمكن أن تواجه عملية التكامل الديمقراطي كمفهوم لعملية السلام بين الكرد والترك ما يتعلق بضعف الثقة بين الدولة والمكونات الاجتماعية، وللتغلب عليها يستلزم إطلاق حوار وطني شامل برعاية مؤسسات مستقلة أو جامعات، وتشكيل لجان مصالحة حقيقية يُعترف فيها بالأخطاء السابقة بشكل رسمي، وبناء آليات مراقبة مشتركة لتنفيذ الاتفاقيات، فضلًا عن طرح برامج إصلاح مؤسسي تدريجي وتدريب على مبادئ الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان، للتغلب على تحدي مقاومة التغيير من داخل مؤسسات الدولة.

كما أنه من الأهمية، للتغلب على تحدي ضعف المشاركة السياسية، الإسراع بإصلاح النظام الانتخابي، وتمكين الشباب والنساء من الأقليات بالمشاركة في الحياة العامة، فضلًا عن إصلاح مناهج التعليم بتشجيع ثقافة المواطنة والتعدد، وتشجيع الإعلام المسؤول بحملات توعية ضد التمييز، وطرح مشاريع تبادل ثقافي وفني ورياضي بين المجموعات المختلفة، وبناء هوية وطنية مرنة تقوم على المواطنة وليس العِرق أو اللغة، مع الاحتفاء بالرموز والثقافات المحلية بشكل متوازن ضمن الإطار الوطني.

أتصور أن الاستقرار السياسي والاجتماعي الناتج عن التكامل الديمقراطي يجعل البيئة أكثر جذبًا للمستثمرين، مع تحسين صورة الدولة خارجيًا، حيث يُظهرها بأنها تحترم حقوق الإنسان وتطبق معايير الحكم الرشيد، مما يعزز من مكانتها الدولية.

بدون شك، التكامل الديمقراطي هو الطريق نحو دولة قوية وعادلة تستوعب تنوعها، وتحترم حقوق مواطنيها، وتستثمر في الاختلاف كمصدر غِنى وليس مصدر تهديد.

قد يهمك