دخل العراق حالة الإنذار القصوى "هـ" بعد تفاقم أزمة الجفاف واستمرار التعنّت التركي في ملف المياه، رغم سلسلة اجتماعات عقدتها بغداد مع أنقرة خلال عام 2025، دون نتائج ملموسة.
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد أعلن الأسبوع الماضي التوصل إلى مسودة اتفاقٍ إطاريٍّ حول قضايا المياه مع تركيا، متوقعاً توقيعه قريباً في بغداد، مشيراً في الوقت نفسه إلى موافقة أنقرة على استئناف تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان.
لكنّ وزير الموارد المائية عون ذياب أكد أن العراق يمر بأسوأ موجة جفاف منذ أكثر من تسعين عاماً، لافتاً إلى أن الأزمة الحالية تمثل "تحدياً غير مسبوق" في تاريخ البلاد. جاءت تصريحاته خلال مشاركته في جلسة رفيعة ضمن فعاليات أسبوع القاهرة للمياه، حيث شدد على ضرورة تحرك عربي جماعي لدعم الأمن المائي الإقليمي.
أزمة حادة
ويواجه العراق أزمة حادة بسبب انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات، نتيجة السياسات المائية لكلٍّ من تركيا وإيران، عبر بناء السدود وتحويل مجاري الأنهر الفرعية، ما أدى إلى تراجع الإيرادات المائية من نحو 70 مليار متر مكعب إلى 40 ملياراً. وتشير التوقعات إلى انخفاض نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً سنوياً بحلول عام 2030، مقارنة بالحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية وهو 1700 متر مكعب.
وقال المحلل السياسي عادل الرماحي، في تصريحات لموقع "روج نيوز" إن "الأزمة تجاوزت الجانب الفني لتصبح "قضية سيادية تمسّ حياة المواطن"، مؤكداً أن "الاتفاقيات لن تُجدي نفعاً ما لم يمارس العراق ضغوطاً مقابلة على أنقرة، سواء كانت اقتصادية أو تجارية أو دبلوماسية". وأضاف أن استمرار الجفاف أدى إلى تدهور القطاع الزراعي وتأثر الصحة العامة والبيئة ومعيشة المواطنين.
أما المحلل السياسي عامر خليل فأشار إلى أن العراق يسعى إلى تعزيز إمداداته المائية عبر تعاون مباشر مع تركيا، لافتاً إلى أن موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على رفع حصة العراق المائية إلى 420 متراً مكعباً في الثانية تُعد خطوة إيجابية، لكنها "غير كافية لحل الأزمة جذرياً". وأكد أن نجاح المفاوضات مرهون بوجود فريق فني محترف داخل وزارة الموارد المائية قادر على إدارة الملف والتفاوض وفق الاتفاقيات الدولية السابقة.
قضية وطنية استراتيجية
من جهته، شدد الباحث السياسي فلاح المالكي على أن ملف المياه يجب أن يُعامل كـ"قضية وطنية استراتيجية"، داعياً إلى اعتماد سياسة توازن وضغط متبادل في التعامل مع أنقرة، نظراً لتشابك المصالح بين البلدين. وطالب بتحويل الملف إلى أولوية حكومية عليا تضمن زيادة الإطلاقات المائية وإنقاذ الثروة الزراعية والحيوانية من خطر الانهيار.
أما النائب جواد الغزالي فاعتبر استمرار شحّ المياه نتيجة التعنّت التركي "خرقاً صريحاً للاتفاقيات الدولية الموقعة منذ عشرينيات القرن الماضي"، محذّراً من تداعياته على الأمن الغذائي الوطني. وأكد أن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا، الذي يتجاوز 46 مليار دولار سنوياً، يستدعي موقفاً عراقياً حازماً، داعياً الحكومة إلى مراجعة العلاقات التجارية واستخدامها كورقة ضغط لإلزام تركيا بإطلاق الحصص المائية المقررة وصون سيادة العراق وحقوق شعبه.