في تصعيد جديد للأزمة المستمرة على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية سقوط خمسة شهداء، بينهم أطفال، جراء غارة نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت مدينة بنت جبيل جنوبي لبنان، وفقًا لما أوردته الوكالة الوطنية للإعلام. الحادثة الدامية تعكس استمرار مسلسل الانتهاكات التي تهدد بتقويض أي فرص حقيقية لاستعادة الاستقرار في الجنوب اللبناني.
من جانبها، أصدرت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه هذه الغارات، ووصفتها بأنها "انتهاك صارخ" لقرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي وُضع لإنهاء حرب 2006 وضمان استقرار الحدود. وأكدت البعثة الأممية أن الغارات لا تمثل مجرد خرق قانوني فحسب، بل تشكل تهديدًا مباشرًا لـ"الاستقرار الهش" الذي تحقق منذ نوفمبر الماضي عقب التوصل إلى وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
التحذيرات الأممية تعكس خطورة الوضع الميداني، إذ تشير إلى أن مثل هذه العمليات العسكرية تقوض ثقة المدنيين في إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية، وتضع حياة عناصر قوات حفظ السلام والجيش اللبناني والسكان المحليين في دائرة الخطر. هذه المعطيات تُبرز أن التصعيد الإسرائيلي لم يعد مجرد رسائل عسكرية محدودة، بل بات يهدد البنية الأمنية والسياسية الهشة التي تشكلت في الجنوب خلال العام المنصرم.
الوقائع الميدانية تشير إلى أن الأزمة الحالية لم تأتِ بمعزل عن سياقها الأوسع. فمنذ الثامن من أكتوبر 2023 شن الجيش الإسرائيلي اعتداءات متفرقة على لبنان، سرعان ما تطورت في سبتمبر 2024 إلى حرب واسعة النطاق، أسفرت عن سقوط أكثر من أربعة آلاف شهيد ونحو سبعة عشر ألف جريح. وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، فإن البيانات الرسمية اللبنانية توضح أن إسرائيل خرقت الاتفاق أكثر من ثلاثة آلاف مرة، موقعة ما لا يقل عن 239 شهيدًا و551 جريحًا منذ ذلك الحين.
الأخطر من ذلك أن جيش الاحتلال لا يزال يحتفظ بخمس تلال لبنانية سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة، فضلًا عن مناطق أخرى يحتلها منذ عقود، ما يمثل تحديًا صارخًا للسيادة اللبنانية ويؤجج حالة الغضب الشعبي والسياسي. هذه المعطيات تثير تساؤلات جدية حول مدى جدية إسرائيل في الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وتطرح علامات استفهام حول قدرة المجتمع الدولي على فرض تنفيذ قراراته.
من زاوية تحليلية، يمكن القول إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية يعكس استراتيجية تقوم على استنزاف الداخل اللبناني وإبقاء الجنوب في حالة من التوتر الدائم، وهو ما يضعف أي مساعٍ للتهدئة ويزيد احتمالات الانزلاق نحو مواجهة جديدة. كما أن هذه التطورات تشكل ضغطًا إضافيًا على الحكومة اللبنانية التي تجد نفسها بين مطرقة الانتهاكات الإسرائيلية وسندان الضغوط الداخلية المتصاعدة.
في المحصلة، ما جرى في بنت جبيل ليس مجرد حادثة عابرة، بل مؤشر على هشاشة الوضع الإقليمي برمته. فاستمرار الخروقات، مع عجز المجتمع الدولي عن ردعها، يجعل الجنوب اللبناني ساحة مفتوحة على احتمالات تصعيد أكبر، قد يتجاوز حدود لبنان ليشمل المنطقة بأسرها، في ظل غياب تسوية سياسية شاملة تضع حدًا لدائرة العنف المتكررة.