بث تجريبي

قصف إسرائيلي على حنوب لبنان .. خرق متجدد لاتفاق هش

شهدت مدينة النبطية جنوبي لبنان، مساء الاثنين، تصعيدًا جديدًا في مسار المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، بعدما استهدفت طائرات حربية إسرائيلية مبنى في حي كسار زعتر، ما أدى إلى إصابة نحو عشرة أشخاص، وفق ما أفادت به وسائل إعلام لبنانية.

وذكرت قناة “الجديد” اللبنانية أن سيارات الإسعاف هرعت إلى موقع الغارة لنقل المصابين إلى المستشفيات، بينما لم تُعرف بعد طبيعة الإصابات أو خطورة الحالات. كما أظهرت صور ومقاطع فيديو مشاهد اندلاع النيران في المبنى المستهدف، وسط حالة من الهلع بين السكان.

وتداول ناشطون روايات متقاطعة عن أن الغارة استهدفت موقف سيارات في بناية “دغمان”، مرجحين أن تكون العملية أقرب إلى “اغتيال محدد الهدف” باستخدام صواريخ دقيقة، وهو ما ينسجم مع التكتيكات الإسرائيلية المعروفة في استهداف كوادر أو مواقع يُعتقد أنها ذات صلة بحزب الله.

من جانبها، زعمت المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن سلاح الجو نفذ غارة على “مقر تابع لحزب الله” في النبطية، في محاولة لإضفاء طابع عسكري على الهدف وتبرير الخرق الجديد لوقف إطلاق النار المعلن منذ 27 نوفمبر 2024. ورغم أن هذا الاتفاق كان يفترض أن يوقف العمليات العسكرية، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن استمرار إسرائيل في استهداف مواقع جنوب لبنان وشرقه، بل وحتى الضاحية الجنوبية لبيروت.

خرق متجدد لاتفاق هش

اللافت أن الغارة تأتي في وقت حساس، حيث تواصل القوات الإسرائيلية تمركزها في خمس نقاط جنوبية داخل الأراضي اللبنانية، في تحدٍّ مباشر للاتفاق الذي أنهى حربًا دامية استمرت قرابة عام بين الجانبين. هذه الخروقات تعكس أن إسرائيل لم تنظر إلى وقف إطلاق النار كخيار استراتيجي دائم، بقدر ما اعتبرته استراحة ميدانية لإعادة ترتيب أوراقها.

من زاوية تحليلية، يمكن قراءة الضربة الأخيرة باعتبارها من جهة تهدف إلى الضغط على حزب الله وإظهار أن يد إسرائيل لا تزال طويلة داخل العمق اللبناني، ومن جهة أخرى تأتي في سياق التذكير للحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي بأن تل أبيب تراقب عن كثب مسار النقاشات حول سلاح حزب الله.

الحكومة اللبنانية بين ضغوط الداخل والخارج

الحكومة اللبنانية كانت قد أعلنت مطلع أغسطس 2025 عن خطة تهدف إلى نزع سلاح حزب الله، وكلفت الجيش إعدادها ضمن مهلة تنتهي مع نهاية العام. هذه الخطوة لم تأتِ بمعزل عن ضغوط أمريكية واضحة، بل جاءت أيضًا في ظل مخاوف لبنانية من تهديدات إسرائيلية بشن حملة عسكرية جديدة.

ويمكن للغارة الأخيرة أن تُقرأ في هذا السياق كأداة ابتزاز إضافية: فإسرائيل تُذكّر بيروت بأن البديل عن التقدم في ملف نزع السلاح قد يكون مواجهة عسكرية مدمرة جديدة، لا سيما بعد أن خرجت لتوها من حرب أنهكت البنية التحتية وأدخلت البلاد في أزمة إنسانية واقتصادية.

تداعيات داخلية وإقليمية

على المستوى الداخلي، تثير هذه التطورات جدلاً حادًا. فبينما يرى أنصار حزب الله أن الغارات تمثل خرقًا للسيادة الوطنية وتأكيدًا على حق “المقاومة” في الاحتفاظ بسلاحها، يعتبر خصومه أن استمرار العمليات الإسرائيلية ما هو إلا نتيجة لارتباط لبنان بسياسات الحزب الإقليمية، وهو ما يزيد من الضغط باتجاه تطبيق خطة الحكومة.

إقليميًا، لا يمكن فصل ما يحدث في النبطية عن المشهد الأوسع في المنطقة. فالغارات الإسرائيلية تأتي في ظل تصاعد التوترات في غزة والضفة الغربية، إلى جانب الحرب المستمرة في سوريا، وهو ما يضع لبنان في قلب معادلة إقليمية متشابكة. وبذلك تتحول النبطية، كغيرها من مدن الجنوب، إلى ساحة اختبار دائمة لميزان الردع بين إسرائيل وحزب الله.

 

 

قد يهمك