ناقشت دراسة حديثة أثر المتغيرات السياسية فيما يخص خطاب الكراهية تجاه شمال وشرق سوريا، وقد كشفت عن تطورات مقلقة تتعلق بتصاعد خطاب الكراهية الموجه ضد شمال وشرق سوريا خلال الفترة الممتدة من نوفمبر 2024 وحتى أغسطس 2025،.
حسب الدراسة فإن هذا الخطاب لم يكن مجرد انعكاس عفوي للأحداث الميدانية والسياسية، بل استُخدم كأداة استراتيجية منظمة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي وتبرير التدخلات الإقليمية، خصوصاً التركية.
الأدوات والمنهجية
وقد اعتمدت الدراسة في منهجيتها على منهجية التحليل التتابعي (MIC) التي تقوم على تتبع الأحداث وفق تسلسلها الزمني وربطها بالجهات المنفذة والفاعلة، مع تحليل طبيعة الخطاب الإعلامي وأدواته ووسائله، إلى جانب قياس التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الواقع السياسي والاجتماعي. وقد استند إلى 14 مصدراً مفتوحاً موثقاً، وإلى قاعدة بيانات خاصة.
أبرز النتائج
أبرز النتائج التي خلصت إليها الدراسة أن خطاب الكراهية شكّل عاملاً محفزاً لتوتير الأوضاع الميدانية والسياسية عبر أربع مراحل رئيسية:
1- المرحلة الأولى (نوفمبر 2024 – فبراير 2025):
ارتبطت بانطلاق سلسلة عمليات عسكرية واسعة وسقوط مواقع للنظام السوري. حيث استُخدم خطاب تحريضي يركز على التخوين والتحريض الإثني، وجرى تصوير الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية كتهديد مباشر للوحدة السورية. وقد سجلت هذه المرحلة أكثر من 12 ألف مادة إعلامية ذات طابع تعبوي وتحريضي.
2 - المرحلة الثانية (مارس 2025):
تميزت بوقوع مجازر الساحل ضد المكون العلوي، بالتزامن مع توقيع اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية وبعض القوى المحلية. وقد وُظف خطاب الكراهية لتأجيج العداء الطائفي والانتقامي، وأنتج ما يزيد عن 13 ألف مادة إعلامية تغذي الانقسام وتشرعن الإبادة.
3- المرحلة الثالثة (أبريل – مايو 2025):
ارتبطت بانعقاد مؤتمر توحيد الموقف الكردي وعودة مهجرين من عفرين. وقد استخدم الخطاب الإعلامي التكتيكات القائمة على التأطير العرقي والاتهام بالانفصالية واتهامات التآمر مع جهات خارجية، ونتج عنها أكثر من 4500 مادة إعلامية. وركزت على تعميق الانقسامات وعرقلة جهود المصالحة.
4- المرحلة الرابعة (يونيو – أغسطس 2025):
تصاعدت الأحداث مع تفجير كنيسة بدمشق وأحداث السويداء وانعقاد مؤتمرات سياسية. حيث جرى استدعاء خطاب تكفيري وتحريضي استهدف المسيحيين والمكونات الأخرى. كما جرى تصوير المفاوضات الداخلية كخيانة. وتجاوز حجم النشاط الإعلامي 12 ألف مادة، ركزت على تكريس الطائفية وإضعاف فرص التفاهم السياسي.
استنتاجات رئيسية:
ويمكن من الدراسة السابقة الوقوف على عدة نقاط كاستنتاجات رئيسية:
- خطاب الكراهية أداة ممنهجة تستهدف ضرب التعايش السلمي وإشعال الفتن الطائفية والعرقية.
- الجهات المنفذة لم تقتصر على أطراف رسمية مثل القوى التركية، بل شملت أيضاً أطرافاً غير رسمية كالميليشيات، وأخرى إقليمية ودولية.
- تنوعت أدوات الخطاب بين وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، تيليغرام، واتساب) والقنوات الفضائية، حيث رُصدت آلاف المنشورات التي ضاعفت من حالة التحري ض.
- ساهم هذا الخطاب في شرعنة العنف، وتبرير الانتهاكات، وتعميق الانقسام المجتمعي.
توصيات:
1- على المستوى المجتمعي: تعزيز قيم التعايش، ودعم المبادرات المدنية، وتمكين الفاعلين المحليين.
2- على المستوى السياسي: تكريس الشراكة الديمقراطية، وحماية مسارات التفاوض من التشويه الإعلامي.
3- على المستوى الإعلامي: بناء رواية بديلة قائمة على الحقائق، وتفكيك خطابات التحريض عبر حملات توعوية.
4- على المستوى الاستراتيجي: التعاون الدولي والإقليمي لتجفيف مصادر التمويل والدعم لخطاب الكراهية.
ختام الدراسة:
تبين الدراسة أن خطاب الكراهية أصبح سلاحاً سياسياً وإعلامياً يوازي العمليات العسكرية في خطورته، وأن التصدي له يتطلب جهوداً تكاملية بين المجتمع، والقوى السياسية، والإعلام المحلي والدولي، لضمان عدم انزلاق المنطقة إلى مزيد من الصراع الدموي والانقسام.
من زوايا العالم
منبر الرأي
بين السطور
فضاءات الفكر
فضاءات الفكر
فضاءات الفكر