بث تجريبي

مثقفون: أوجلان راجع تجربة النضال المسلح وحوّل تضحياتها إلى عقد اجتماعي يضمن الحرية والعدالة

نظمت دار نفرتيتي للنشر والدراسات والترجمة، مساء الخميس 4 سبتمبر/أيلول، ندوة فكرية بالعاصمة المصرية القاهرة لمناقشة التطورات الأخيرة المرتبطة بعملية السلام في تركيا.

الندوة ركزت على محاور متعددة، في مقدمتها مبادرة القائد عبدالله أوجلان المتعلقة بالسلام والمجتمع الديمقراطي، إلى جانب بحث مستقبل النضال المسلح وما إذا كان ما زال خياراً مناسباً، أم أن المرحلة تقتضي البحث عن بدائل أخرى لتحقيق تسوية سلمية.

وقد أدار النقاش المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، بينما شارك على المنصة كل من السفير شريف شاهين، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والكاتب الصحفي إلهامي المليجي، منسق المبادرة العربية لحرية القائد عبدالله أوجلان.

عدالة القضية الكردية

وفي تقديمه للندوة، أكد المهندس/ أحمد بهاء الدين شعبان أن كثيراً من الشعوب تأثرت بنضال عبدالله أوجلان، سواء النضال السياسي أو المسلح، ولهذا كانت هناك محاولات ارتباط بالقضية الكردية لأنها قضية عادلة مثلها مثل القضية الفلسطينية.

وانتقد أمين عام الحزب الاشتراكي المصري الوضع الحالي للقائد، وبقائه في سجن إمرالي حيث العزلة المطبقة لأكثر من 25 عاماً ومنعه من رؤية أهله ورفاقه، منوهاً إلى أن عملية اختطافه كانت عملية معقدة شاركت فيها أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والتركية والقبرصية والكينية والروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

ولفت إلى أن الندوة تركز على شقين، أولهما الوضع الحالي الذي تمر به القضية الكردية، وموضوع السلام والمجتمع الديمقراطي أو المبادرة التي أطلقها أوجلان، أما الشق الثاني فهو التساؤل حول خيار العمل المسلح في الوقت الحالي وما إذا كان لا يزال خياراً مناسباً.

حتمية الحل السلمي

انتقلت الكلمة الأولى إلى السفير/ شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي أعرب عن اعتزازه بقربه من القضية الكردية وانتمائه إليها، مشيراً إلى أنه من خلال عمله بوزارة الخارجية المصرية كان مطلعاً على الواقع الكردي، واستطاع تكوين رؤية تقوم على أن هذا المكون جزء رئيسي في المجتمعات التي يعيش فيها.

وأضاف أن حرمان تلك المجتمعات من المكون الكردي، يعني حرمانها من قدرات هائلة تساعدها على أن تتطور مستقبلاً. وانتقل إلى الحديث عن التطورات المرتبطة بمبادرة أوجلان "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي"، التي أطلقها في 27 فبراير/شباط، مقدماً نبذة تاريخية حول تأسيس حزب العمال الكردستاني بقيادة آبو باعتباره من أبرز حركات التحرر الوطني في المنطقة، والذي كان يرفع شعارات النضال المسلح ضد الدولة التركية.

ولفت إلى أن اعتقال عبدالله أوجلان ومكوثه في السجن لأكثر من 25 عاماً كان نافذة نحو إبداعات فكرية كبيرة مثل "مانفيستو الحضارة الديمقراطية"، ككتاب ضخم لخص فيه العديد من قضايا المنطقة ويضع حلولاً لبعضها، معتبراً أن هذه الرؤى ربما كانت دافعاً لدى بعض أحزاب المعارضة التركية للتعاطي الإيجابي مع أوجلان وبروح جديدة، لا سيما مع التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة التركية في الفترة الأخيرة.

واعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن عملية التفاوض التي جرت في سجن إمرالي مع آبو أتت كإدراك أنه في النهاية لا بد أن ينتهي هذا الصراع المسلح، وأن هذا الصراع بالأساس أثقل على الدولة التركية، في إشارة منه إلى اللقاءات التي أجراها وفد إمرالي مع أوجلان، وقناعة أحزاب رئيسية مثل الحركة القومية بقيادة دولت بهتشلي بالعمل على إنهاء مرحلة الصدام المسلح مع المكون الكردي، والاتجاه نحو مسار السلام.

جدوى النضال المسلح في زمن الأمة الديمقراطية

وتحت عنوان "ما بعد الرصاص .. جدوى النضال المسلح في زمن الأمة الديمقراطية" كانت كلمة الكاتب الصحفي إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية أوجلان، وقد استهلها بالحديث عن سؤال وصفه بـ"القديم الجديد" وهو: "هل ما زال النضال المسلح وسيلة مناسبة لانتزاع الحقوق، خاصة بالنسبة للأعراق والإثنيات المضطهدة في منطقتنا؟"، منوهاً إلى أنه سؤال يتردد منذ عقود، لكنه يكتسب راهنية مضاعفة مع مبادرة آبو وفلسفة الأمة الديمقراطية.

وقال المليجي إن النضال المسلح ارتبط تاريخياً بصفحات مشرقة من كفاح الشعوب ضد الاستعمار والاستبداد: من الجزائر إلى فيتنام، ومن جنوب أفريقيا إلى نيكاراجوا، مشيراً إلى أنه في التجربة الكردية نفسها، كان حمل السلاح ردّاً طبيعياً على محاولات الإنكار والإبادةـ لكن، ورغم التضحيات الجسام، لم يقدّم السلاح وحده الحل الجذري، بل أحياناً تحوّل إلى دائرة استنزاف طويلة الأمد.

وأضاف أنه هنا يبرز صوت أوجلان، وهو يراجع التجربة ويقترح بديلاً آخر. ففي سجنه الانفرادي، قدّم رؤية تقوم على أن المواجهة المسلحة، رغم مشروعيتها الأخلاقية في وجه الظلم، ليست كافية لتحقيق التغيير المنشود؛ فالسلاح قد يوقف تقدم العدو لحظة، لكنه لا يبني سلاماً دائماً ولا يعيد تشكيل المجتمع على أسس عادلة. ولهذا دعا أوجلان إلى مفهوم الأمة الديمقراطية: مشروع تعايش يفتح المجال أمام المكونات كافة لتكون شريكة في الحكم، من خلال الإدارة الذاتية، والمجالس المحلية، والسياسة القاعدية.

ولفت منسق المبادرة العربية لحرية أوجلان إلى أن النموذج الأوضح على الأرض هو ما نشهده في شمال وشرق سوريا. هناك، لم يختفِ السلاح، لكنه تراجع ليصبح وسيلة دفاعية فقط، بينما انتقلت القيادة إلى مؤسسات مدنية: مجالس محلية تضم الكرد والعرب والسريان، نظام رئاسة مشتركة يضمن حضور المرأة، وإدارة ذاتية تسعى لترسيخ التعددية بدل الصهر القسري. وبهذا المعنى، السلاح صار أداة حماية، لا غاية بذاتها، حسب تأكيده.

ثم يوضح المليجي أن ما يطرحه أوجلان لا يُلغي مشروعية المقاومة المسلحة حين تفرضها الظروف، لكنه يحذّر من تحويلها إلى استراتيجية وحيدة؛ فالدولة القومية في منطقتنا، بطابعها الإقصائي، تستطيع أن تبرّر بطشها كلما استُخدم السلاح ضدها. أما البديل، فهو فتح مساحات للنضال الديمقراطي، أي بناء التحالفات المجتمعية، وصياغة عقد اجتماعي جديد، وتحويل فكرة الدولة من مركز قمع إلى فضاء تشاركي.

ويقول أيضاً في هذا السياق: "لسنا هنا لنحاكم الماضي، بل لنستشرف المستقبل. التاريخ قد أثبت أن البنادق وحدها لا تصنع العدالة. العدالة تحتاج إلى مشروع جامع، يحمي التنوع بدلاً أن يلغيه. لذلك فإن جدوى النضال اليوم تكمن في المزاوجة بين المقاومة والديمقراطية: مقاومة تدافع عن الحقوق، وديمقراطية تؤسس لسلام مستدام".

وفي ختام حديثه، قال إلهامي المليجي إن السؤال الذي يجب أن نطرحه ليس فقط: هل ما زال السلاح مجدياً؟ بل: كيف نجعل النضال أكثر حكمة وإنسانية؟، كيف نحول التضحيات العظيمة إلى عقد اجتماعي جديد، يضمن الحرية والمساواة لكل الشعوب؟، مشدداً على أن "ذلك هو جوهر مبادرة أوجلان، وذلك هو التحدي الذي ينتظرنا جميعاً".

مرحلة جديدة بأدوات جديدة

عقب ذلك جرى الاستماع إلى مداخلات من بعض الحضور، الذين أكدوا أن النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني أثبت وجود الشعب الكردي، وأن هذا المكون قادر على الدخول إلى العملية السياسية، ومن ثم فقد أدى الحزب وظيفته في مرحلة من المراحل وانتهى دوره، منوهين إلى أنه إذا أصر الكرد على نفس الأدوات فإن هذا يهدد بفقدانهم المكتسبات التي حققوهاـ وبالتالي كان لا بد أن تكون هناك أدوات جديدة، وهو ما أدركه أوجلان.

وأكدوا كذلك أن أوجلان وضع العديد من المقترحات التي تجعل المكون الكردي قائداً لعملية التحول الديمقراطي، وقد طرح في هذا السياق مصطلح الاندماج الديمقراطي، أي الاندماج في الدول التي يعيش بها لكن مع الحفاظ على هويته وخصوصيته الثقافية وحقه في إدارة مناطقه، إلى جانب حقه في الحماية الذاتية أو الدفاع الذاتي.

وأوضحوا أنه من الصحيح أنه قد جرى التخلي عن إقامة دولة قومية للكرد بالعمل المسلح، لكن هذا لا يعني حرمان المجتمع من حقه في حماية ذاته، كما أنه يجب أن يتضمن الدستور ذلك، على نحو يأتي من خلال النقاش والحوار، ولهذا كان تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه كنوع من إثبات صدق النية وإبداء الاستعداد للمضي قدماً نحو مراحل أكثر تقدماً.

قد يهمك