نظّمت المبادرة العربية لحرية عبدالله أوجلان ندوة فكرية عبر الإنترنت، في إطار الحملة العالمية لحرية أوجلان. أقيمت الندوة مساء أمس الأربعاء الموافق 3 سبتمبر، تحت عنوان "السلام والمجتمع الديمقراطي".
شارك في الندوة نخبة من المثقفين والأكاديميين العرب والكرد من مختلف الدول، مثل مصر، ولبنان، والعراق، وسوريا، وتونس. تركزت النقاشات على محاور أساسية شملت:
- التحولات الفكرية في مسيرة عبدالله أوجلان.
- آفاق الحل الديمقراطي للقضية الكردية.
- دور مشروع "الأمة الديمقراطية" في حل أزمات الشرق الأوسط.
- البُعد الإقليمي والدولي للقضية الكردية.
- دور المرأة في بناء السلام والمجتمع الديمقراطي.
- أهمية "الاندماج الديمقراطي" لتعزيز الحوار والتعايش.
ضمّت قائمة المتحدثين شخصيات بارزة مثل:
- لبنى بن عبدالله (باحثة وحقوقية تونسية).
- السفير شريف شاهين (مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق).
- الدكتور حسني أحمد مصطفى (متخصص في علم الاجتماع من مصر).
- الدكتور رائد المصري (أستاذ الفكر السياسي من لبنان).
- أمينة أوسي (مسؤولة العلاقات الخارجية في مؤتمر ستار بسوريا).
- إلهامي المليجي (منسق المبادرة العربية لحرية أوجلان).
- نباذ خالد (ناشط سياسي من إقليم كردستان العراق).
بداية الندوة
أدار الندوة وقدمها الدكتور طه علي أحمد الباحث السياسي المختص بشؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، والذي استهل حديثه بالتأكيد أن العالم يمر بمرحلة يمكن وصفها بـ"عواصف ورياح"، وليس الشرق الأوسط فقط، قائلاً إن النظام الدولي وكأنه على موعد جديد من التغير في نسقه، مستشهداً بالاضطرابات والحروب التي كانت في السابق سبباً في ظهور النظام الدولي الذي أعقب اتفاقية سايكس – بيكو.
وأشار في هذا السياق إلى الحالة الكردية وما يلاقيه الكرد من ظلم كبير، وصولاً إلى حركة النضال الكردي التي عبّر عنها عبدالله أوجلان وفكر الأمة الديمقراطية، كذروة لما وصل إليه النضال الكردي والعقل الإنساني في الشرق الأوسط على كافة المستويات.
كما أشار إلى أن المرحلة الحالية في الشرق الأوسط بها العديد من الأزمات المرتبطة بأزمة التعايش بين مكونات المنطقة، لافتاً إلى أنه هنا يظهر لنا طرح الأمة الديمقراطية وما يقدمه من آليات للتعايش، مؤكداً أن الأمر له اشتراطات في مقدمتها توافر الذهنية التي تؤمن بذلك.
التحولات الفكرية في مسيرة أوجلان
أولى الكلمات في الندوة كانت للباحثة والحقوقية التونسية لبنى بن عبدالله، حيث سلطت الضوء على التحولات الفكرية في مسيرة عبدالله أوجلان، إذ أوضحت أن هذه التغيرات مرت بعدة مراحل عبرت عن فلسفته في إقامة مجتمع ديمقراطي حر يقوم على الحرية والديمقراطية، ويؤمن بحرية المرأة والفرد.
ولفتت في هذا السياق إلى أن أوجلان ابتعد عن النموذج الماركسي من خلال إيمانه بفكر الأمة الديمقراطية، وسعيه لبناء مجتمع مقاوم للإمبريالية والرأسمالية، ومن ثم كان مفهوم الأمة الديمقراطية لتنظيم المجتمع بشكل يدعم حقوق جميع المكونات. كما أنه لم يدعم الفيدرالية حتى لا يرتبط هذا النظام بـ"عائلة" ما ومن ثم نعود إلى ديكتاتورية العائلة، وهو يركز على ديمقراطية بعيدة عن تلك التي توفر المناخ الآمن لأعمال السلب، في إشارة إلى الرأسمالية.
ولفتت كذلك لبنى بن عبدالله إلى أن أوجلان اهتم في فلسفته بالإنسان الصديق للبيئة والطبيعة وليس الذي يتعامل معها في إطار الاستغلال، كما ركزت أيضاً فلسفته على موقع المرأة التي هي أساس تحرر المجتمعات. كما تحول فكر أوجلان من الماركسية اللينينية التي كانت تهدف إلى إنشاء دولة كردية مستقلة إلى تبني نظرية الكونفدرالية الديمقراطية.
واعتبرت الناشطة والباحثة الحقوقية أن التحولات في فكر أوجلان مرت بعدة مراحل، المرحلة الأولى كانت بتبنّيه الفكر الماركسي اللينيني من السبعينيات إلى التسعينيات. والمرحلة الثانية هي الكونفدرالية الديمقراطية من 1990 وحتى 2005 كبديل للدولة القومية. بعد ذلك، جاءت المرحلة الثالثة التي أسست لفكر الأمة الديمقراطية القائم على اللامركزية والمساواة بين الجنسين والعيش المشترك، والديمقراطية الحقيقية التي تتجاوز الفكر التقليدي، خاصة في مرحلة ما سمي بـ"الربيع العربي" وما حدث في المنطقة، ومرحلة ما بعد حل حزب العمال الكردستاني طرح نداء السلام، والسعي إلى التكامل بين الكرد.
وعدّدت لبنى بن عبدالله الأسباب وراء تلك التحولات لدى أوجلان، منها الأسباب الأيديولوجية والفكرية، من خلال إيمانه بالتغيير واهتمامه بفكرة المراجعة الفكرية ومن هنا كان نقده للماركسية، خاصة ما آلت إليه في الصين مثلًا، وكذلك عدم صمودها في الاتحاد السوفيتي، حيث أكدت التجربة السوفيتية أن السلاح لا يبني المواطنة الحقيقية.
ولفتت إلى أن هناك سبباً آخر لهذه التحولات يتعلق بالوضع الكردي نفسه، وهو أن الكرد أثبتوا وجودهم في دولهم، ووصلوا إلى المناصب العليا، ولديهم بعض الضمانات فيما يتعلق بثقافتهم. ثم تطرقت إلى الأسباب الإقليمية والدولية التي أثرت في فكر أوجلان وتحولاته، إذ أن العالم يتغير والتوازنات والتحالفات تتغير، والكرد لن يقبلوا بعد اليوم أن يكونوا وسيلة ضمن تصفية حسابات، لأن الكرد يريدون أن يكونوا مصدر توازن لا مصدر للتوتر والحرب.
كذلك لفتت إلى أن الكفاح المسلح في السابق كان آلية للنضال، لكن تجاوزه الزمن، إذ يقتنع أوجلان بأن الكرد الآن يجب أن يعيشوا حياة كريمة، فيما أن الحرب تقتل الأشياء الجميلة في الحياة. وشددت على أن اتجاه أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني كان قراراً تاريخياً، والذي كان تأسيسه في السابق لإثبات الوجود الكردي ضد إنكارهم وتهميشهم الذي استمر لعقود. وأكدت أن هناك حاجة للتعايش والتماهي مع هذه المرحلة الجديدة، مشيدة بأوجلان والذي قالت إنه علامة كبرى في تاريخ المنطقة ويجب التقاط مبادرته كفرصة تاريخية.
أفق الحل الديمقراطي ومشروع الأمة الديمقراطية
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى السفير/ شريف شاهين مساعد وزير الخارجية الأسبق، وتحدث في محوره عن أفق الحل الديمقراطي ومشروع الأمة الديمقراطية، مستهلاً حديثه بالقول إن "عبدالله أوجلان هو ابن خلدون هذا العصر؛ كونه استطاع من خلال عزلته في إيمرالي أن ينتقل بفكره وسياسته ومجتمعه كله من الصراع المسلح إلى الحل السلمي والديمقراطي".
وأضاف: "وكذلك الانتقال إلى حل يؤدي إلى اندماج المكون الكردي في مجتمعه بالمنطقة ككل، سواء في سوريا أو العراق أو تركيا أو إيران"، لافتاً في هذا السياق إلى أن العملية السياسية ستواجه العديد من التحديات في الفترة القادمة، فقد أعلن حزب العمال الكردستاني عن إلقاء السلاح، لكن يبقى الكثير من العمل، موضحاً أن أول هذا ضرورة إطلاق سراح أوجلان للمشاركة في العملية السياسية والاندماج الديمقراطي، واندماج الكرد في مجتمعاتهم.
وانتقد الدبلوماسي المصري السابق في هذا السياق حالة التهميش التي تعرض لها المكون الكردي، مما حرم المنطقة من إبداعاته، مؤكداً أنه لو أتيح له مسألة الاندماج مستقبلاً في الحياة السياسية، فسنرى الكثير من المكاسب، مشيراً في هذا السياق إلى نجاح تجربة إقليم كردستان رغم ما يتعرض له من "ألاعيب" من قبل حكومة بغداد، وفقاً له، وغيرها من المعوقات المرتبطة بأن العديد من القيادات في المنطقة لا تفهم جوهر الديمقراطية وتستخدمها لتمرير سياسات فاشلة لا تؤدي إلى إنجاح ما يحقق آمال المجتمعات.
لكن السفير/ شريف شاهين يرى أن التجربة الكردية في تركيا ستكون أكثر أهمية من تجربة العراق، نظراً لـتعداد المكون الكردي الكبير، فضلاً عن التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة التركية، وبالتالي فإن الخيار السليم والذكي هو التعامل بإيجابية مع مبادرة عبدالله أوجلان، مضيفاً في ختام تصريحاته: "المكون الكردي عبر التاريخ له إسهاماته الهامة في الحفاظ على أمن وسيادة منطقتنا أمام العديد من التحديات، من الصليبيين إلى التتار، ومن ثم فإن الهجمة الصهيونية الحديثة الآن على المنطقة تتطلب أن تستند على مكوناتها لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد كينونتنا"، محذراً من خطورة تجاهل الخيار الديمقراطي في تركيا كضرورة للمضي نحو السلام.
السياق الإقليمي والدولي المرتبط بالقضية الكردية
وانتقلت الكلمة إلى الدكتور حسني أحمد مصطفى، المتخصص في علم الاجتماع من مصر، والذي قدّم قراءة في السياق الإقليمي والدولي المرتبط بالقضية الكردية، وقد استهل حديثه بالتأكيد على أن الدعوة للحرية الجسدية للقائد أوجلان هي في المقام الأول مطلب إنساني، لكنها ليست طلباً عاطفياً، بل تأتي لتحرير مشروع إنساني واجتماعي لا يرتبط بالشعب الكردي فقط، وإنما بكل المكونات والمجتمعات الإنسانية في الشرق الأوسط.
وأضاف أن القضية الكردية تعد من أكثر القضايا تعقيداً وتشابكاً في الوقت المعاصر في ظل اعتقال أوجلان، مشدداً على أن آبو رمز للنضال في القرن الماضي، وهو مانديلا هذا القرن؛ في ضوء طاقته الدبلوماسية والذهنية والثقافية، مؤكداً أننا "جميعاً ندرك جذور القضية الكردية، خاصة منذ تفكك الدولة العثمانية، فـمعاهدة سيفر 1920 منحت لهم الحق في كيان ذاتي، لكن الدولة الأتاتوركية أسقطت هذا الحق بهدف صهر الثقافة التركية بكل الطرق، وعلى رأسها الطرق الجبرية وليس دمجهم".
وتابع بالقول أنه لهذا ظل الشعب الكردي يواجه سياسات الصهر والتذويب، لافتاً إلى أن الشعب الكردي موزع على أربع دول، حيث تثم تركيا العدد الأكبر من الكرد، وقد تعاملت معهم كمهدد لها، وتَعنَّت النظم ضدهم، مع غياب أنظمة من شأنها الجمع بين المكونات الثقافية للدولة التركية. كما أنه رغم مبادرات السلام التي تم طرحها، تتنصل أنقرة من الحقوق الهُوياتية للمكون الكردي.
أما بالنسبة للكرد في دولة العراق، يرى الدكتور حسني أحمد مصطفى أنها ساحة أكثر تقدماً في التجربة الكردية والتوجه نحو الحكم الذاتي منذ انتفاضة 1991، ثم الاعتراف بهذا النظام بعد عام 2003. وحين تطرق إلى الكرد في إيران فقال إنهم يشكلون ما يزيد على 10 ملايين في كردستان الغربية، حيث يعانون من التهميش، كما أن الدولة الإيرانية تخشى انتقال واقع التمرد إليهم.
وقال إنه في سوريا، تعمدت الدولة تهميش الكرد، لكن مع أحداث 2011 فُتحت نافذة مهمة مهمة أمامهم بعد تكوين وحدات الحماية، التي منحتهم وضعاً جيداً، إلا أنها وضعتهم في الوقت ذاته في مواجهة الدولة التركية. وفي سياق حديثه عن الأبعاد الإقليمية والدولية، شدد الدكتور حسني أحمد مصطفى على أنه لا يمكن فهم أبعاد القضية الكردية دون فصلها عن التنافس الدولي، فالورقة الكردية تمثل ورقة مهمة عند الحاجة إلى تحقيق مصالح دول أو قوى دولية بعينها.
وفي ختام كلمته، نوه الباحث في علم الاجتماع أن هناك تحديات كثيرة تواجه التجربة الكردية على نحو يتطلب اللحمة بين كل القوى القائمة عليها، فهم يواجهون تحديات الرفض الإقليمي بين الدول الأربع التي يتوزعون عليها – وهي دول مختلفة في أمور كثيرة لكنها متوحدة بشأن منع قيام كيان أو دولة للكرد – وفي نفس الوقت التعامل الدولي القائم على المصلحة أو توظيف القضية، معتبراً في هذا السياق أن نداء السلام والمجتمع الديمقراطي يحمل آفاقاً إيجابية في إطار الحفاظ على هوية المجتمع الكردي.
السلام والمجتمع الديمقراطي
وتحت محور رؤية فكرية لمرحلة السلام والمجتمع الديمقراطي، جاءت كلمة الدكتور رائد المصري، أستاذ الفكر السياسي والعلاقات الدولية بلبنان، والذي أكد أن خطوة أوجلان ونداء السلام شكلت صدمة ونقطة تحول في نفس الوقت، منوهاً هنا إلى أن التغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم تتطلب أن تكون هناك تغيرات وإعادة تنظيم للوجود الكردي والمجتمعات في الشرق الأوسط بشكل عام.
وأوضح أن حزب العمال الكردستاني لعب دوراً تاريخياً في إثبات الوجود الكردي، ونضالاته التي أكدت أن الكرد حقيقة ثابتة وجزء أصيل لا يمكن تهميشه، ومن ثم فهذا مكسب تاريخي فعله أوجلان على مدار نصف قرن؛ إذ بات إنكار هوية الكرد وحقوقهم أمراً في حكم المنتهي، الذين أثبتوا وجودهم في مواجهة محاولات الصهر وحروب الإبادة، مشدداً على أن كل هذه النجاحات التي يعتمد عليها الشعب الكردي الآن هي التي حققها حزب العمال الكردستاني.
وقال إن الانتقال من اشتراكية الدولة القومية والذهاب نحو تنظيم اشتراكي قائم على مفهوم الأمة الديمقراطية أمر مكّن الكرد من فهم الهوية الحقيقية لأنفسهم؛ فالكفاح المسلح كان له أسبابه وظروفه التاريخية، واليوم الأسباب والظروف تتغير، ومن ثم الاتجاه نحو تحول كبير لإصلاح العلاقة في الداخل التركي على نحو ينعكس على الكرد في المجتمعات الأخرى، لا سيما في الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد.
ووصف الدكتور رائد المصري نداء السلام بـ"المانيفستو الجديد" لأوجلان، والذي قال إنه يعطي حيوية ومرونة أكثر في التعامل التركي مع الكرد وأيضاً مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال وشرق سوريا، كما يؤسس ويرسخ للسلام الدائم في المنطقة، لا سيما في ظل التعقيدات والتحولات التي تسري على كامل المنطقة في المرحلة الحالية.
وفي ختام حديثه قال أستاذ الفكر السياسي اللبناني إنه لهذا يعتبر أن "قرار نداء السلام جاء في لحظة تاريخية مفصلية حقيقية، وفي توقيت زمني مهم، يمكن أن يؤدي إلى تفكيك هذا الصراع الكردي التركي، خصوصاً ما طرحه فيما يتعلق بمفهوم الأمة الديمقراطية"، مشدداً على أنه لا بد من البناء على ذلك.
الدور المحوري للمرأة
وحول الدور المحوري للمرأة في هذه المرحلة، كانت الكلمة للسيدة/ أمينة أوسي مسؤولة العلاقات الخارجية في مؤتمر ستار بإقليم شمال وشرق سوريا، والتي قالت إنه بالتأكيد أن المرأة في سوريا كان لها دور هام وفعال في المجتمع، ولم تكن يوماً بعيدة عن مسيرة النضال والتطور في مختلف المراحل، ولكن في 2011 ارتفعت أصوات النساء، بما في ذلك المرأة الكردية، للمطالبة بحقوقهن ورفض العبودية والظلم، ونادت ثورتها بالكرامة والديمقراطية عقب الانتفاضة ضد نظام البعث السابق.
وأوضحت أن الانتفاضة التي أعقبها انسحاب لقوات هذا النظام جعلت مكونات المجتمع في شمال وشرق سوريا تنظم نفسها، وهنا مدت النساء يد العون، وكوّنّ شبكة نسوية متينة كانت العامل الأساسي في المطالبة بالديمقراطية وحقوق النساء، ومن هنا كانت ثورة المرأة تحت شعار "المرأة .. الحياة .. الحرية"، وعلى هذا الأساس انخرطت المرأة في مختلف المجالات، في إطار ثورة المرأة التي كانت التأكيد انطلاقاً من منظور الأمة الديمقراطية.
وشددت في هذا السياق على أن مشروع عبدالله أوجلان أمر جوهري في تحرير المجتمع، وقالت: "نحن لا نتحدث عن مطلب حقوقي حين نطالب بحقوق النساء، بل تحرير المرأة شرط لتحرير الشعوب والمجتمعات وفق فكر الأمة الديمقراطية. كما أنه لا يمكن الحديث عن الحرية والديمقراطية الحقيقية دون تحرير المرأة".
وقالت أمينة أوسي إن أي مشروع سياسي أو اجتماعي لا تكون المرأة متواجدة فيه في مركزها يكون ناقصاً، وبالتالي من هذا المنطلق، كمؤتمر "ستار"، جرى العمل في إقليم وشمال وشرق سوريا وأقيمت تنظيمات لإدارة شؤون المرأة، إلى جانب العمل الحقوقي مع قيادات الإدارة الذاتية خلال كتابة العقد الاجتماعي، موضحة أنه من خلال المشاركة في هذه النقاشات جرى كتابة عقد اجتماعي يضمن حقوق كل المكونات وكذلك المرأة، ومن ذلك اعتماد نظام الرئاسة المشتركة في إدارة المؤسسات في شمال وشرق سوريا، وقانون الأسرة والأطفال وغيرها.
ولفتت كذلك إلى أنه من خلال مؤتمر "ستار" تم تدريب وتأهيل النساء في مختلف المجالات الإدارية والسياسية وغيرها، مشددة على أنه يمكن القول إن المرأة في شمال وشرق سوريا تمكنت من تحييد الكثير من العقلية الذكورية السلطوية، كما أنه ليس المقصود التحرر من العنف الجسدي فقط، بل التحرر السياسي والثقافي كجزء من الثورة، وخاصة دور المرأة في تنظيم الكيانات التي تعبر عنها.
وفي ختام حديثها، أكدت السيدة/ أمينة أوسي أنه كان من الضروري مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار بالشراكة مع الرجل، والعمل بتوازن وكسر الهيمنة الذكورية، فضلاً عن تنظيم المرأة كيانات دفاعية للدفاع عن حقوقها ومكتسباتها، مؤكدة أنه في ضوء ذلك فإنه بالإمكان القول الآن أن المرأة تستطيع أن تكون العنصر الفاعل في عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، مما تقوم به من مصالحة وسلام وتوسط وحل الخلافات بين الأطراف.
الاندماج الديمقراطي
المحور الأخير في الندوة كان حول ملف الاندماج الديمقراطي، وتحدث فيه الكاتب الصحفي المصري إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية عبدالله أوجلان، وقد بدأ حديثه بالتأكيد على أن مشروع أوجلان يحاول تجميع شعوب المنطقة بدلاً من التفرق، وقد قدم رؤية جريئة عن التكامل والاندماج الديمقراطي، يمكن أن تساهم في حل أزمات المنطقة وإيجاد حلول عميقة لها.
وقال المليجي إن تجربة عبدالله أوجلان الفكرية تمثل واحدة من أكثر المحاولات الجادة لإعادة قراءة العلاقة بين الدول والمجتع؛ ففكر أوجلان لا يعني الذوبان داخل الدولة وإنما إقامة علاقة جديدة قائمة على الشراكة والتفاعل، على نحو يتيح التمكين لكافة المجتمعات في إطار من العدالة والمساواة، لافتاً إلى أن أوجلان رأى أن الأزمة التاريخية في منطقتنا ترتبط بفرض نموذج الدولة القومية الصلبة التي تنكر التنوع وتحاول إذابة الهويات المتعددة في قالب واحد.
وهنا يدلل المليجي على رأيه بتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، التي تقوم على التوافق وليس الإقصاء، وتتيح مشاركة المرأة من خلال الرئاسة المشتركة، موضحاً أن قوات سوريا الديمقراطية – التي تضم مقاتلين من مختلف المكونات – دوراً مهمًا في تجسيد فكر الأمة الديمقراطية على الأرض عندما تصدت للإرهاب وحررت الأرض من "الدواعش"، وشكلت بدورها عنصراً للاتحاد وليس الانقسام.
وقال منسق المبادرة العربية إننا ونحن نتابع ما يجري في المنطقة من صراعات وحروب، هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر في شكل الدولة ووظائفها، وهنا فإن مشروع الأمة الديمقراطية للقائد عبدالله أوجلان يقدم طريقاً ثالثاً يعيد الاعتبار للقيم المشتركة: الحرية والعدالة والمساواة، مؤكداً ضرورة فتح العقول والقلوب أمام طرح التكامل والاندماج الديمقراطي كما صاغه آبو، مشدداً على أنه نداء للحياة المشتركة والحوار وإعادة صياغة علاقتنا بالدولة وفق أسس أكثر إنسانية وعدلاً.
إشكاليات داخل الدولة التركية
في نفس الملف – أي الاندماج الديمقراطي – تحدث الناشط السياسي الكردي نباذ خالد من جنوب كردستان، وقد توقف عند مصطلح الاندماج الذي يقول إنه إشكالي بامتياز، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحالة التركية، أو شمال كردستان، حيث تثار تساؤلات حول ما قد يعنيه هذا المصطلح من تساؤلات حول الاندماج مع التاريخ التركي أو الثقافة التركية، لافتاً هنا إلى أن المادة 66 في الدستور التركي تقول إن كل من يرتبط برباط الجنسية التركية فهو تركي.
وأضاف أن سياسة تركيا مبنية أن كل ما في الدولة تركي، كما أن تركيا هي أيضاً التي واصلت الهجمات لسنوات وحتى وقت قريب بشكل يومي على مناطق الكرد في السليمانية، كما أنه في تركيا نجد في الأسواق، وخصوصاً في المدن الكردية، لافتات مكتوب عليها "أنا سعيد أنني تركي"، وهنا يشدد على أنه لا بد من تغيير بنود الدستور التي تؤكد على تركية كل ما في تركيا.
وأكد نباذ خالد على أنه لا بد من حل دستوري وسياسي، يجعل للكرد نفس الحقوق مع بقية المواطنين، وليس مجرد ممارسة الهوية، حيث قال إن الكرد في العراق كانوا يمارسون هويتهم ويدرسون بلغتهم في زمن صدام حسين لكن كان يتم قتلهم بشكل يومي، وبالتالي نحن بحاجة إلى تغيير جذري في سياسة الدولة التركية.
ودعا الناشط السياسي الكردي في ختام كلمته بالندوة إلى ضرورة التعاطي الإيجابي من قبل النظام التركي تجاه المبادرة التي أطلقها أوجلان – أي نداء السلام والمجتمع الديمقراطي – في 27 فبراير/شباط، مشيراً إلى أنه لا يرى بعد أي تحرك جاد بشأن عملية السلام من قبل النظام، بما في ذلك اللجنة البرلمانية التي جرى تشكيلها مؤخراً لهذا الغرض.
واختتمت الندوة باستقبال مداخلات وتساؤلات لبعض المستمعين إلىها عبر زووم، التي أكدت في مجملها أهمية الاستراتيجية الجديدة التي طرحها عبدالله أوجلان، التي تقوم على فكرة الأخوة بين شعوب المنطقة، فالكرد لا يستطيعون العيش بمعزل عن المكون العربي على سبيل المثال. كما أنها استراتيجية تقدم حلاً للقضية الكردية مرتبطة بفكرة التكامل.
كما أكدت المداخلات ضرورة أن تقدم الدول القومية على تغيير قوانينها؛ على نحو يسمح بحالة من التشارك والتسامح والتوزيع العادل للثروات، كما أكدوا كذلك أهمية دور المراة وحضورها في عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، وفي هذه المرحلة التي تقوم على الانتقال من العمل المسلح إلى السياسة الديمقراطية.
من زوايا العالم
من زوايا العالم
نبض الشرق