لا تتورع تركيا عن ممارسة سياساتها الخبيثة داخل سوريا، مستغلة ولاء الحكومة الانتقالية وإدارة أحمد الشرع لها، وذلك من خلال عملها على إفساد أي مسار من شأنه وضع العلاقة بين المكونات السورية على الطريق الصحيح، وفق مسار ديمقراطي تعددي يكون للسوريين القرار الأول فيه، خاصة عندنا يتعلق الأمر بالمكون الكردي، ومحاربة نموذج الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا.
فقد بات من الواضح أنّ الحكومة الانتقالية لن تشارك في اجتماع باريس المرتقب، كإشارة سلبية على مستوى المسار السياسي، وبحسب المعطيات، فإنّ الدولة التركية لعبت الدور الأبرز في عرقلة مشاركة هذه الحكومة بها، في محاولة مكشوفة لإفشال أي جهد دولي يساهم في فتح آفاق جديدة أمام القضية السورية والوئام بين كافة المكونات.
سياسة خبيثة
إن هذه السياسة الخبيثة يمكن تلخيصها بمقولة أنقرة الضمنية: "إن لم نكن طرفاً فسنفسد الأمر"، ويبدو أنّ أنقرة تخشى من تدويل القضية الكردية ومنحها بعداً سياسياً، ما يدفعها إلى ممارسة ضغوط شتى على القوى المنخرطة في الملف.
وفي إطار النهج التركي المعروف بقلب الحقائق وتضليل المعلومات، واصلت أنقرة سياسة العداء تجاه إقليم شمال وشرق سوريا، فوزير خارجيتها هاكان فيدان يتحدث وكأنه الناطق الرسمي باسم دمشق، مكرراً اتهامات باطلة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بخرق اتفاق 10 آذار، بينما الحقيقة أن الحكومة الانتقالية هي التي لم تتخذ أي خطوة عملية في هذا الاتفاق.
في هذا السياق، يقول رياض درار عضو الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية إن تركيا عرقلت اجتماعات باريس لأنها لا تريد أن يكون لأي طرف آخر يداً فيما يتعلق بالملف السوري، وتحديداً العلاقة بين الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا وحكومة دمشق الانتقالية.
وأوضح أن النظام التركي يريد أن يبقى التفاوض تحت إشرافه؛ حتى تبقى اليد العليا لحكومة دمشق الانتقالية، التي تنفذ السياسات التركية بدورها، مشدداً على أن إدارة الشرع هنا ليست صاحبة قرار، بدليل أنه عندما زار هاكان فيدان وزير الخارجية التركي دمشق عقب سقوط بشار الأسد وكان هناك سؤالاً من الصحفيين موجهاً لـ "الشرع" حول العلاقة مع "قسد" أحال إجابته إلى وزير الخارجية التركي.
حرب على الديمقراطية؟
وتزداد خطورة الدور التركي مع محاولات دعم الحكومة الانتقالية المناهضة للديمقراطية، مقابل محاربة أي مشروع ديمقراطي أو كيان سياسي في روج آفا والإقليم السوري الأوسع. ففي حين يعاني السوريون من غياب الأمن وانتشار الفوضى، تطالب أنقرة بانضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى المجموعات المسلحة، وهو ما يوضح أن هدفها الحقيقي ليس الاستقرار، بل إسقاط مكتسبات الثورة وضرب البنية السياسية للإدارة الذاتية.
وتزامناً مع التحركات لإفساد التقارب بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق، لا تزال مناطق واسعة من سوريا ترزح تحت الاحتلال التركي، حيث تُستخدم العملة التركية في المعاملات وتُفرض اللغة التركية في التعليم، ما يعكس بوضوح نزعة تقسيمية تتناقض مع ادعاءات أنقرة حول وحدة الأراضي السورية. هذا الاحتلال المباشر وتوظيف المجموعات المرتزقة التابعين لها يؤكد أن أنقرة باتت عاملاً أساسياً في تكريس الانقسام داخل سوريا.
وفي إطار تنفيذ التعليمات التركية، بدأت الحكومة السورية الانتقالية، بعد اجتماعاتها مع أنقرة، حملة إعلامية مضادة تستهدف الإدارة الذاتية، عبر محاولات التحريض على العشائر والمكونات المحلية. ومن المهم تسليط الضوء على أعمال الإدارة الذاتية ومشاريعها في المناطق العربية، بما في ذلك الخدمات والبرامج التنموية، وإبراز المواقف الإيجابية للمكونات حيالها، لإظهار الوجه الحقيقي لهذه التجربة.
يقول الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية إن هناك حالة من عدم الثقة بين المكونات السورية ومنها ما بين إقليم شمال وشرق سوريا والحكومة التي لديها أزمة واضحة في إدارة هذا الملف، مشدداً على أنه من مصلحة أحمد الشرع استقرار الوضع في شمال وشرق البلاد وهذا سيحسب له نجاحاً.
ولفت إلى الاتفاق الذي أبرم بين مظلوم عبدي قائد قوات "قسد" والرئيس الانتقالي أحمد الشرع والمكون من 8 بنود كان يفترض بعدها أن يتبعه تشكيل لجان من قبل الجهتين؛ لتفسير كل بند منها، وفي مقدمتها آليات إدماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري ووضعها الدستوري، والضمانات اللازمة لذلك لكن ذلك لم يحدث، مشيراً إلى أن تركيا لا تريد أن يحقق إقليم شمال وشرق سوريا أي مكاسب كبيرة ترى أنها تشكل خطراً عليها، مؤكداً أن أي حل سيتطلب ضمانات كبيرة ربما من حكومة دمشق بل ومن أنقرة وربما أطراف أخرى.
في الواقع إنّ استمرار السياسات التركية القائمة على العداء والعنصرية وتعميق الانقسامات لن يؤدي سوى إلى إطالة أمد الأزمة السورية؛ فتركيا لا تريد وحدة سوريا، بل تعمل على منع أي توافق بين الإدارة الذاتية والحكومة الانتقالية، خشية أن يؤدي ذلك إلى بلورة نظام ديمقراطي لا مركزي. لذا فإنّ الدعوة إلى الحوار الشامل والتفاوض بين مختلف المكونات تبقى السبيل الأنجع نحو دمقرطة سوريا وصياغة حل مستدام.
من زوايا العالم
من زوايا العالم
منبر الرأي
أصداء المرأة
منبر الرأي
منبر الرأي