تتعمق الانقسامات داخل أهم المؤسسات السياسية في ليبيا في توقيت بالغ الحساسية، إذ تتزامن مع استعدادات رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه لإعلان خريطة طريق سياسية جديدة خلال إحاطة أمام مجلس الأمن مقررة في 21 أغسط الحالي. وإن بدت هذه الانشقاقات تداعياً طبيعياً لطول الأزمة السياسية في البلاد، إلا أنها قد تهدد بتحويل الخريطة المرتقبة إلى حبر على ورق إذا فقدت الأساس الدستوري اللازم لتنفيذها.
ورغم إعلان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إنهاء أزمة الانقسام الحاد في رئاسته بانتخاب محمد تكالة رئيساً للمجلس في جلسة إعادة الانتخاب نهاية يوليو الماضي، إلا أن خصمه خالد المشري لا يزال يرفض النتيجة.
ولم يقتصر رفض المشري على إعلان عزمه الطعن أمام القضاء في نتائج الانتخابات، بل سارع بعد يومين من جلسة الانتخاب إلى خطوة عملية تؤكد إصراره على التمسك بشرعية رئاسته المجلسَ، إذ أحال ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي سبق أن طلب منه النظر في صحة التزكيات التي حصل عليها المترشحون للحكومة من مجلس النواب، ما يعكس استمرار أزمة الرئاسة داخل مجلس الدولة.
لكن التصعيد الأخطر يكمن في الصراع الذي بدأت ملامحه تطفو داخل رئاسة مجلس النواب. فقد أصدر نائبا رئيس المجلس فوزي النويري ومصباح دومة، الأربعاء الماضي، بياناً يعكس خلافاً حاداً مع صالح. وجاء البيان في أعقاب جلسة يوم الثلاثاء الماضي التي شهدت خلافاً بين عقيلة ونائبيه حول توزيع بنود الموازنة العامة للدولة، إذ دعا النائبان إلى تفعيل لوائح المجلس لتكون "مرجعية قانونية لتنظيم آليات الانعقاد، وإدارة الجلسات، وإصدار القرارات"، وطالبا النواب بعقد اجتماع عاجل لمكتب الرئاسة لمعالجة الإشكاليات التنظيمية من منطلق أن قرارات المجلس "تُبنى جماعياً كمؤسسة واحدة، دون أن تعكس آراء أو تصرفات فردية"، في مؤشر واضح على تصاعد الخلافات المكتومة منذ فترة داخل المجلس بسبب تفرد عقيلة بقراراته.
هذه الخلافات التي تعكس اتجاهاً تصاعدياً في التصدع داخل مؤسستي مجلسي النواب والدولة تتزامن مع إحاطة تيتيه المرتقبة التي يتوقع أن تختلف عن سابقاتها، إذ ينتظر أن تتضمن خريطة طريق مفصلة وبرنامجاً عملياً لحل الأزمة في ليبيا ما يثير أسئلة حول كيفية حصولها على الشرعية الدستورية الضرورية في ظل انقسام المجلسين المكلفين بالموافقة والمصادقة على أي تسوية سياسية، كما نص على ذلك اتفاق الصخيرات (2015). وهو الاتفاق التأسيسي لمسار الحوارات السياسية لإنهاء أزمة ليبيا وهو ما حدث في اتفاق جنيف عام 2021، الذي انتهى إلى تشكيل السلطة التنفيذية الحالية، بالمصادقة عليه من المجلسين حتى يتسنى تضمينه في الإعلان الدستوري (الدستور المؤقت) ويأخذ صبغته التنفيذية.
في خضم هذا التعقيد وقراءة السبل الممكنة لخريطة تيتيه في التعامل مع هذا الجمود المؤسسي، يرى أستاذ العلوم السياسية حسن عبد المولى أن إحاطة تيتيه المرتقبة ستعكس إدراكاً دولياً لأن "بعد سنوات من التعثر لم تعد الحلول المجتزأة صالحة، بل يجب أن يكون الحل شاملاً لكل المسارات، السياسية والأمنية والاقتصادية". وعليه، فهو يرى أن خريطة الطريق المقبلة ستمثل "بناء جديداً للعملية السياسية الشاملة وفق إطار واضح وعملية تتجاوز احتكار مجلس النواب ومجلس الدولة وجميع المعرقلين للقرار".
من زوايا العالم
منبر الرأي
القصة كاملة