بث تجريبي

في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت .. العدالة لا تزال غائبة عن لبنان

أعدت قناة القاهرة الإخبارية التي تبث من مصر تقريراً حول الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت الذي راح ضحيته المئات، ولا يزال لبنان ينتظر العدالة في هذا الملف.

وعلى ضفاف بيروت، يستلقي المرفأ المنكوب منذ خمس سنوات، وعلى جدران البيوت المطلة عليه لا يزال صوت انفجار الرابع من أغسطس عام 2020 يدوي في الآذان ومحفور على جرانها التي لم تُرمم، إذ لم يكن مجرد حادث عابر في سجل النكبات اللبنانية، بل زلزال إنساني، وسياسي، وأخلاقي، وبينما تتراوح العدالة بين القضاء والسياسة، يتشبث اللبنانيون بأمل أن الحقيقة مهما طال ليلها ستشرق يومًا ما.

الحي الذي لم يتعاف

في شوارع مار مخايل والجميزة، تُلمح أشكال من "العودة إلى الحياة" لكن الجدران لا تزال تحمل ندوب الانفجار، الذي فُقد فيه نحو 220 شخصًا، وآلاف أُصيبوا أو شردوا، وأحياء بأكملها تضررت بشكل لا يمكن نسيانه.

وتشير تقارير متعددة، بينها مقال الصحفي تايلور توماس في صحيفة "ميديا لاين" الأمريكي، إلى أن غالبية جهود الإعمار جاءت من مبادرات خاصة ومنظمات غير حكومية والجاليات اللبنانية في الخارج، بينما غابت الدولة بمؤسساتها وخططها.

وتغير في الحي المشهد العمراني، إذ ارتفعت الإيجارات بشكل صادم، وتحولت منازل متواضعة إلى شقق للإيجار المؤقت، في مشهد يُقصي السكان الأصليين ويعيد تشكيل المدينة بنكهة غريبة عن نسيجها.

عدالة غائبة

يرى مخططو المدن، وفق ما ورد في التقرير، أن انفجار المرفأ كان بمثابة عدسة مكبرة كشفت هشاشة البنية التحتية اللبنانية، واختلال عمل المؤسسات، وفقدان الروابط الاجتماعية التي كانت تميز حياة الجيران في المدينة، فالمشهد بعد خمس سنوات، كما يصفه كثير من السكان، هو بيروت جديدة "أجمل ظاهريًا، لكنها أبعد عنهم روحيًا وإنسانيًا".

خلال جلسة حوارية حول تداعيات الانفجار، شدد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام على أن "العدالة لا تُؤجل ولا تُساوَم"، مؤكداً أن لا إصلاح دون محاسبة، ولا دولة دون قضاء مستقل"، واعتبر أن كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين هو السبيل الوحيد لالتئام الجرح الوطني، وأن العدالة، مهما تأخرت، لا بد أن تتحقق.

من جهته، كتب رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري عبر منصة "إكس" قائلًا: "بعد خمس سنوات من الانفجار، لا يزال لبنان ينتظر العدالة.. لن نفقد الأمل بصدور قرار الاتهام ومحاسبة المذنبين".

عودة التحقيق

التحقيقات القضائية بقيادة القاضي اللبناني طارق البيطار واجهت عراقيل غير مسبوقة، فقد جُمدت لأكثر من ثلاث سنوات بسبب دعاوى قضائية متلاحقة وصلت إلى 43 دعوى، في محاولة واضحة لتعطيل العدالة، رغم ذلك، تمكن البيطار من استئناف عمله أخيرًا، بعد عقده عشرات الجلسات واستجوابه شخصيات بارزة من مسؤولين سياسيين وأمنيين.

وحسب وسائل إعلام محلية نقلت عن مصادر قضائية، فيقترب البيطار من إنهاء التحقيق، وينتظر حاليًا أجوبة على استنابات قضائية وجهها إلى ست دول عربية وأوروبية، تتعلق بوقائع محددة قد تساعد في تكوين الصورة الكاملة للكارثة.

وفي يناير 2023، وبعد صمت طويل، أصدر القاضي البيطار دراسة قانونية أعلن فيها أنه لا يمكن مخاصمته أو ردّه عن التحقيق، مؤكداً عزمه على المضي قدماً، رد الفعل جاء سريعًا من القاضي السابق غسان عويدات الذي اتهمه بـ"انتحال الصفة" وأصدر بحقه مذكرة منع من السفر وقرارًا بالإفراج عن 17 موقوفًا في القضية.

ورغم أن تلك المذكرات لا تزال عالقة أمام محاكم التمييز، فإن البيطار، كما تؤكد مصادر قريبة منه، يفضّل أن تُبت هذه الدعاوى قبل إصدار القرار الاتهامي، لتفادي أي طعون قانونية قد تعرقل المحاكمة لاحقًا.

ملفات لم تحسم

من بين الشخصيات التي خضعت للاستجواب، رئيس الوزراء السابق حسان دياب، ووزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، واللواء عباس إبراهيم، واللواء طوني صليبا، في المقابل، امتنع عن المثول بعض المتهمين، مثل النائبين الحاليين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، إضافة إلى القاضي غسان عويدات.

ورغم ذلك، لم يتخذ البيطار أي قرارات بعد بحق من استجوبهم، وقرر تأجيل ذلك إلى ما بعد صدور القرار الظني، المتوقع قبل نهاية العام الحالي.

ويبدو أن انتخاب الرئيس الجديد جوزيف عون أعاد بعض الزخم للتحقيقات، بعد أن أعلن صراحة دعمه لاستكمال المسار القضائي، ما شجع النيابة العامة التمييزية على العودة للتعاون مع القاضي البيطار، وتعتبر هذه الخطوة بداية لإزالة بعض العقد التي عطّلت الملف لسنوات.

تعهد بدعم العدالة

وزير العدل اللبناني عادل نصّار وصف ما حدث في الرابع من أغسطس بأنه "جريمة وكارثة إنسانية"، وأكد التزام الدولة بإكمال التحقيقات القضائية وفق القانون، وأشار إلى أن القاضي البيطار وصل إلى المراحل النهائية من الملف، متعهدًا ببذل كل الجهود الممكنة لإظهار الحقيقة، بالتعاون مع الدول التي وُجهت إليها استنابات قضائية.

ولا يزال الملف مفتوحًا، وأهالي الضحايا يترقبون صدور القرار الاتهامي كخطوة أولى نحو العدالة، وبعد خمسة أعوام مرت على الانفجار باتت الحقيقة قريبة، لكنها ليست مضمونة.

قد يهمك