لن تموت القضية الفلسطينية طالما هناك شعب له حقوق على أراضيه، حتى ولو استمر المحتل في إبادة أرقام من بينهم، وطالما أن هناك من يدعمه، ولم تتخلَّ مصر عنه على مدى قرن من الزمان، وحتى إعلان دولته المستقلة على حدود 1967.
والمجازر التي يرتكبها العدوان الصهيوني المحتل في حق الشعب الفلسطيني بغزة يوميًا دفعت الضمير العالمي للتحرك، حيث بدأت بعض الدول الأوروبية الإعلان عن نواياهم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ودول أخرى بدأت تلوّح بفرض عقوبات تجارية واقتصادية على إسرائيل، ودول ثالثة تبحث عدم دعمها بالأسلحة القتالية، وطلاب في الجامعات الأوروبية ينددون بالإرهاب الإسرائيلي رغم التحقيق معهم عند القبض عليهم!!
ومصر لم تتأخر يومًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، رغم أن حركة حماس أعطت الفرصة على طبق من ذهب لإسرائيل لكي تستمر في تحقيق طموحاتها بالمنطقة، ووضع يدها على ثروات شعوب منهوبة باستيلائها على المزيد من الأراضي العربية.
وما زالت مسألة الهدنة وما بعدها، أو "اليوم التالي"، تفرض نفسها على الإقليم بمنطقة الشرق الأوسط وهندسته، ومثل هذا الأمر لا يبتعد كثيرًا عن التجهيز للمرحلة القادمة، حيث تشير المؤشرات لدخول البعض لساحات جديدة لحلبة التنافس الدولي والإقليمي، حيث يتوجه المشهد نحو سوريا الشقيقة والتي نرجو لها السلامة، وكل ذلك مرتبط بإعادة محاولات جديدة لإحياء دور بعض من جماعات التأسلم السياسي.
ومن المتصور أنه في إطار هذا التوجه، هناك محاولات مستمرة لمعاقبة مصر على دورها المتعاظم في دعم القضية الفلسطينية، ورفضها تهجير الفلسطينيين.
والتهدئة المزعومة ومحاولة فرضها لن تصمد طالما لم نتوصل لتسويات عادلة، وطالما أنه لم يتم حل القضية الأساسية، وطالما أن الدولة العظمى والتي يقودها ترامب لن تسمح لأي طرف بأن ينازعها النفوذ على منطقة الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن تشهد خريطة التحالفات بالإقليم تحوّلاً دراماتيكيًا، وخاصة بعد 12 يومًا من الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث من المنتظر ظهور تقاربات بين قوى إقليمية كانت تتنافس بالأمس، حتى ولو وصل الأمر إلى أن التعارض محصور في بعض من الملفات، ولكنه لم يصل بعد إلى نقطة اللاعودة.
وأزاء مثل هذه الأوضاع الجديدة، لن تقف إسرائيل مكبّلة ومكتوفة اليدين، بل إنها سوف تسعى لتعويض خسائرها المادية والبشرية طوال 20 شهرًا من المواجهة المسلحة مع حماس، بالقضاء على أية فرصة لدولة فلسطينية مستقبلية، بجانب محاولة دعم الجماعات الشاردة والإرهابية لاستنزاف قدرات الجيوش الوطنية.
من المؤكد أن الواقع الإقليمي المرتبك حاليًا يمهّد الطريق ويمثل فرصة ذهبية تمكّن الأذرع والجماعات الإرهابية من العودة للمشهد مجددًا، حيث إنها تحيا في ظل مناخ يتسم بالفوضى الخلاقة.
والمحاولات الدنيئة التي يدعمها أهل الشر لإعادة توظيف الجماعات الإرهابية واستخدامها في الدول التي لا تتماشى مع مصالحهم، إلا أنني أرى أنها فرصة سانحة لإيقاظ التحصينات الوطنية بالدول المستهدفة، والتصدي لسمومها بالتكاتف والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديدات مستقبلية، وليس خافيًا على أحد أن المستهدف القادم هي مصر، نظرًا لدورها التاريخي في التصدي لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
بلا شك، من سيحافظ على جبهته الداخلية وتماسكها، وإجادته للتعامل باحترافية مع كافة الملفات الدولية وفقًا لمبادئ واضحة وكاشفة وصريحة، ويتمتع بمصداقية عالية في الطرح والأداء، سيحقق مكاسب استراتيجية لا غنى عنها، ومصر قادرة على الخروج الآمن من حقل الألغام المزروعة بالمنطقة.