في الساعات الأولى من فجر يوم 25 يونيو2015، وبينما كانت مدينة كوباني تغفو على هدوء ما بعد سحور اليوم التاسع من رمضان، تسللت خيوط الجريمة إلى منازل أهلها على يد عناصر من تنظيم داعش، في واحدة من أبشع المجازر التي عرفها التاريخ الحديث للمنطقة.
فقد تنكر المهاجمون بزي وحدات حماية الشعب، مستغلين سكون الليل وثقة السكان، لينفذوا هجومًا دامياً بدأ من قرية برخ بوتان وامتد حتى قلب المدينة، موقعين مجزرة مروعة راح ضحيتها 253 من المدنيين، بينهم نساء وأطفال وكبار سن، فضلاً عن مئات الجرحى.
ولم تكن تلك الجريمة إلا محاولة انتقام يائسة من مرتزقة التنظيم، المدعومين من دولة الاحتلال التركي، الذين سبق أن دُحروا في كوباني في 26 كانون الثاني من العام نفسه، على يد مقاومة شعبية أثارت إعجاب العالم.
شهادة لا تموت مع الزمن
من بين من عاشوا هذا الكابوس، يروي نبيل عبد الرزاق كشل—الذي فقد والدته ووالده وشقيقته في ذلك اليوم—تفاصيل الفجر الدامي وكأنها حدثت بالأمس. يقول:
"استيقظنا على أصوات الرصاص. كان والدي قد قرر التوجه لإبلاغ قوى الأمن الداخلي بعدما شعر أن شيئاً غير طبيعي يحدث. بالفعل، توجه إلى شارع 48 مع عناصر الأسايش، لكن المرتزقة سبقوهم، وأغلقوا الطرقات، ليستشهد ستة من رفاقه قبل أن يصلوا إلى القرية".
ويتابع كشل وفق ما نقلت عنه وكالة هاوار للأنباء: "عندما عاد والدي، كانت أصوات الرصاص تعلو من كل اتجاه. اقتحم المرتزقة المنازل وذبحوا من فيها بدم بارد، دون تمييز. في قريتنا وحدها، استُشهد 27 شخصاً، من بينهم أبي وأمي وأختي".
ويستذكر اللحظة التي استُشهدت فيها والدته وأخته: "كانت أمي أول من لمح المرتزقة وهم يترجلون من سياراتهم، يصرخون 'الله أكبر'. صرخت بفزع: 'إنهم مرتزقة'، فأطلقوا النار عليها مباشرة. هرعت أختي إليها، فاستهدفت هي الأخرى. استُشهدتا معاً، ملتصقتين ببعضهما".
ألم لا يموت
بعد مرور عشر سنوات على المجزرة، لا يزال نبيل يحمل وجع الفقد. يقول: "لقد كان ذلك اليوم أسود بكل ما تعنيه الكلمة. أصوات الصراخ، رائحة الدم، نظرات الرعب في عيون الأطفال، ما زالت تسكن ذاكرتي. ليتنا نستطيع نسيانه، لكننا لن ننسى، ولن نغفر".
مجزرة كوباني لم تكن مجرد واقعة دموية، بل جرح عميق في ذاكرة شعب لم يركع، ورسالة دامغة عن وحشية الفكر الظلامي حين يُستغل الدين سلاحًا ضد الأبرياء.
من زوايا العالم
القصة كاملة
القصة كاملة