بث تجريبي

في قلب الحرب

لسنا كسوريين أو كدول إقليمية في منأى عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية، بل إن شظاياها تتساقط فوقنا يوميًا. كما إننا لسنا في منأى عن أسبابها أو نتائجها، وربما نسقط في أتون المشاركة فيها.

وشأننا شأن العديد من الدول العربية، لم نكن سعداء الحظ بجوار إيران أو إسرائيل، فقد فرضت لعنة الجغرافيا سطوتها على كل شعوب المنطقة، وجعلتهم في مرمى أطماع الغرب والشرق. كما جعلتهم فريسة للصراعات المحلية، التي أيضًا غذّاها المستعمر ولعب على وترها، وجعلها بوابة لكل الشرور والآثام في المنطقة خلال المئة سنة الفائتة.

ومع تصاعد الأحداث وتعمّق الجراح جرّاء القصف المتبادل بين طهران وتل أبيب تتصاعد وتيرة الأخطار الثانوية والخسائر الجانبية التي تتلقاها سوريا. وبغض النظر عن الأخطار والأضرار غير المقصودة، هناك احتمالات غير مستبعدة أن تمتد نيران الصراع إلى سوريا، وتقْدم كل من إيران أو إسرائيل على توجيه استهداف مقصود إلى دمشق. سواء قيام إيران بتوجيه ضربة أو ضربات عشوائية أو مقصودة انتقامًا لإسقاط حليفها بشار الأسد وقطع رجلها عن دمشق أو قيام إسرائيل بالإغارة على أهداف سيادية في دمشق، إذا ما صدر عن سوريا أي خرق لحالة ضبط النفس السورية تجاه إسرائيل، رغم كل اعتداءاتها غير المقبولة وغير المبررة.

كما أن الحرب، التي لا زالت في بدايتها، ربما تتطور لتصبح حربًا إقليمية تشارك فيها أذرع إيران المسلحة في العراق ولبنان؛ بل وفي سوريا أيضًا، من حلفائها السابقين الذين ينتظرون إشارة منها للتحرك لصالحها سواء ضد الحكومة الانتقالية أو ضد إسرائيل. وحينئذ ستكون سوريا مصدرًا، وجسرًا رئيسيًا لعبور أو مرور المقذوفات النارية أو المجموعات البشرية بل وطرفًا أساسيًا في الحرب. ولا أحد يدري إلى أي مدى أن تنجرف سوريا في هذا الصراع في ظل حكومة لا تسيطر على كامل التراب السوري، ولا تملك الإمكانيات أو القدرات اللازمة للجم أي “تهور”. سواء من المليشيات التابعة أو الموالية لنظام الأسد والحليفة سابقًا لإيران أو حتى من المجموعات المرتزقة أو المسلحة المحسوبين على ما تسمى بالمعارضة، سواء الموالين أو غير الموالين للحكومة السورية الانتقالية.. فالأمر قد يتدحرج في أي لحظة إلى مزالق مشاركة رسمية سواء ضد إيران أو ضد إسرائيل.

ومع تهاوي المارد الإيراني تحت وطأة الضربات الإسرائيلية وربما الأمريكية لاحقًا؛ ربما تلجأ طهران لخيار شمشون، وتشعل المنطقة برمّتها بصواريخها ومليشياتها و”استشهادييها” المزروعين في كل دول العالم، كما سبق وهدّد حسن نصر الله، وهي لا تدخر جهدًا في تحريك وتحريض مؤيديها من أنصار مشروعها “المقاوم” لحشد رأي عام إقليمي داعم لنصرتها والوقوف إلى جانبها، وتأليب شعوب المنطقة على حكوماتها للانخراط في الحرب إلى جانب إيران ضد إسرائيل بحجة نصرة غزة ونصرة القضية الفلسطينية.

ومن هنا نفهم التردد الأمريكي، والغربي عمومًا، في الانخراط رسميًا في الحرب في صف إسرائيل. فهناك تبعات خطيرة لن تصيب الدول العربية كدول الخليج مثلاً وحدها؛ بل قد تنتقل الشرارة إلى الغرب، وإلى أمريكا نفسها حين يضيق الخناق على القط الإيراني ليهبش وجوه خانقيه ويقفز في وجوه زانقيه.

وهذا ليس بالأمر الذي يمكن تجاهله أو تركه وعدم أخذه بالاعتبار؛ بل وعلى محمل الجد والأهمية القصوى. ويكفي إيران أن تنفذ مخططاً لتلغيم مضيق هرمز واستهداف الملاحة البحرية فيه، كما فعل ويفعل حليفها الحوثي في باب المندب، واستهداف بضع منصات للنفط والغاز ليقف العالم على رجل واحدة ويسقط ضحية أزمة اقتصادية مدمرة وأزمة وقود خانقة.

إنها ليست حربًا إيرانية إسرائيلية، إنها حرب جميع من في المنطقة، دولاً وشعوبًا، البعض دخلها أو سيدخلها برضاه، والبعض الآخر دخلها أو سيدخلها رغماً عنه، والجميع سيكتوي بنيرانها سواء بقيت الحرب في حدود القصف المتبادل بين تل أبيب وطهران، أو تطورت لتصبح حربًا شاملة بكل صنوف الأسلحة، وكل أساليب القتال المعهودة أو الهجينة أو التي لم نرَ لها سابقة.

... نقلا عن مجلة روناهي

قد يهمك