الاهتمام غير العادى من الأكاديميات والجامعات المصرية باستعراض دعوة المفكر والقائد الكردى عبدالله أوجلان "نداء السلام" في امتحانات الطلاب الجامعية لم يكن وليد الصدفة بقدر استحسان القضية واختيار الموضوع الذى يشغل اهتمامات قيادات العالم حالياً والضمير الإنساني باعتباره معبراً عن احتياجات المجتمعات الإنسانية له في ظل صراع يموج به العالم، ويؤدى إلى إزهاق الأرواح البريئة، وتناثر الدماء في أرجاء مختلفة من العالم، في حروب تصل إلي حد إبادة شعوب آمنة في أراضيها، كما يحدث حالياً في غزة، وتعرض أبناؤها لقهر واضح من الاحتلال الصهيونى.
ويتزامن الامتحان الجامعي وورقة الأسئلة التي احتوت علي قضايا التحرر والنضال السياسي بمنطقه الشرق الأوسط وتقرير المصير مع توجيهات عبدالله أوجلان للمؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني، والتى تحمل مجموعة من الدلالات لعل أبرزها الحق في الحياة، بانتهاج مشروع نداء السلام والتحول الديمقراطي وحقوق الأقليات والشعوب الأصلية والمساواة بين الجنسين وحماية البيئة والعدالة الاقتصادية.
منهج علمي
وتتوافق التوجيهات الأوجلانية التى تتماشي مع المنهج العلمى للدارسين لمادة قضايا تاريخية معاصرة، خاصة وأن مسار الحركة الكردية يشهد تحولات جذرية من خلال التركيز علي مباديء حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ودعوة القائد الكردى عبدالله أوجلان لحل الحزب ونزع السلاح يعكس بكل تأكيد التزاماً بحق الحياة والسلام، ويعزز من فرص تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وبالتالي لا بد من مراعاة أن الوصول للسلام وتحقيقه يحتاج إلى محاربين مميزين في النضال السياسي والقدرة علي الحوار البناء.
ولا يمكن إغفال أن توجيهات أوجلان بالتحول للعمل السياسي السلمى يتوافق مع أحكام القانون الدولى الإنسانى التى تفرض قيوداً علي استخدام القوة المسلحة عند احتدام النزاعات والصراعات. ولذلك تأتى الدعوة إلي تسوية النزاعات بطرق سلمية والاحتكام إلى الانتقال لنظام قانونى ديمقراطى.
أعتقد أن دعوة أوجلان للحوار رغم استمرار عزله في السجن بجزيرة إمرالي يعزز من الطابع الأخلاقي والحقوقى للطرح؛ ما استدعي قيادات الفكر الغربي وفلاسفته للمطالبة بالإفراج عنه وضمان حريته وعدم تعرضه للإيذاء الجسدي.
فكر أوجلان
أتصور أن فكر اوجلان في توجيهاته ينسجم إلى حد بعيد مع المبادىء الأساسية لحقوق الإنسان وخاصة في الدعوة إلى الحوار والتسوية السياسية؛ حيث أن التوجيهات تدعو وبشكل صريح إلى الحوار مع الدولة التركية والقوى الدولية والإقليمية كبديل عن العنف، بما يعكس احتراما لمبدأ تسوية النزاعات بالوسائل السلمية طبقاً للفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة.
والتطبيق الواقعى لهذا الاتجاه لا يزال يتوقف علي إرادة الدولة التركية من ناحية، ومدى التزام الأطراف الكردية من جهة أخرى.
وإذا كان أوجلان يرفض الدولة القومية الأحادية، ويدعو إلي نظام متعدد القوميات والثقافات، وهو ما ينسجم مع الحق في تقرير المصير بجانب المحافظة علي حقوق الأقليات، بما في ذلك حماية الهوية الثقافية واللغوية للكرد وغيرهم.
كما أن رؤيته للأمة الديمقراطية ليست انفصالية، بل قائمة علي الاعتراف بحقوق الجميع داخل الدولة، وهو توجه محمود نظراً لأنه يحترم سيادة الدول ويتساير مع القانون الدولي العام.
دور المرأة
وأوجلان في توجيهاته عندما يربط بين تحرر المجتمع وتحرر المراة إنما يستهدف التأكيد علي دورها القيادي في الثورة؛ ما ينسجم مع اتفاقية القضاء علي كافة أشكال التمييز ضد المرأة وصولا إلي تحقيق مباديء المساواة بين الجنسين والتمكين الاجتماعى والسياسي للمرأة.
العدالة الطبقية
ومن الأهمية التوقف طويلاً عند تشدد أوجلان فيما يتعلق بالتوصل إلى تحقيق العدالة الطبقية والاقتصادية؛ حيث أنه توجه يعزز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنه يفضل الذهاب إلي الدمج بين العدالة الاجتماعية والبيئة، وهى مسألة ضرورية باعتبار أن حماية البيئة جزء من المشروع التحرري، بما يتماشى مع الحق في العيش داخل بيئة صحية سليمة، وبما يتلائم مع الاتفاقيات الدولية للمحافظة علي البيئة.
أعتقد أن توجيهات أوجلان بما تحمله من دلالات سياسية وفكرية واستراتيجية عميقة إنما تعبر عن بوصلة أيديولوجية هامة للحزب؛ خاصة في ظل تحولات داخلية وإقليمية ودولية، مما يتطلب تحويل الحزب من حركة مسلحة تقليدية إلي حركة سياسية اجتماعية، ذات مشروع ديمقراطي تحرري شامل لكل مكونات المنطقة.
أتصور أن دعوته للحل السلمي والديمقراطى تعكس محاولة لإعادة تقديم الحزب كقوة شرعية وغير إرهابية ومؤهلة للحوار، وهي رسائل موجهة للإقليم والعالم، رغم الضغوط الإقليمية والدولية فضلاً عن الإصرار علي استقلالية القرار الكردى وعدم ارتهانه.
ومن الأهمية التوقف عند تحذيراته من تحجر الهيكل التنظيمي أو الابتعاد عن الجماهير، وهذا فى حد ذاته يدفع إلي رغبته في المحافظة علي ديناميكية الثورة، وتجذرها في المجتمع.
مما لا شك فيه أن التوجيهات الأوجلانية الأخيرة للمؤتمر الثانى عشر لحزب العمال الكردستانى تستهدف تحقيق التوفيق بين الأهداف الكردية، ومتطلبات الحداثة الديمقراطية، والتحول المجتمعى.
من زوايا العالم
أصداء المرأة
من زوايا العالم