في ختام عام دراسي حافل بالنشاط ضمن تدريس مادة "قضايا تاريخية معاصرة" بجامعة دمنهور المصرية خاصة ما يتعلق بالقضية الكردية، عقدت ندوة جديدة جرى خلالها استعراض كل شيء خاص بالمفكر عبدالله أوجلان والقضية الكردية، بحضور الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والذي درس المادة ووجه بالأنشطة الطلابية في إطارها، إلى جانب عدد من الطلاب والأكاديميين.
ولعل أبرز تلك الأنشطة التي عقدت في إطار تدريس هذه المادة كفكرة مبتكرة، القيام بمحاكاة لعدد من الشخصيات النضالية المؤثرة في الشرق الأوسط والعالم، وعلى رأسهم المفكر عبدالله أوجلان، والزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، والزعيم الليبي عمر المختار، في تجربة تواصلت للعام الثاني على التوالي.
الشعب الكردي والمشروع الأوجلاني
وفي البداية، رحب مقدم الندوة الأكاديمي المتخصص في علم التاريخ الدكتور علي ثابت صبري بالحضور الكريم، مشيراً إلى أهمية هذه المحاكاة؛ كتجربة فريدة على صعيد إعادة بناء الوعي خصوصاً لدى الشباب، والخروج من الإطار الضيق للدراسات التاريخية إلى الإطار الأوسع، فضلاً عما تمثله من فرصة لدراسة القضايا الإقليمية والتاريخية التي تؤثر على المنطقة منذ 100 عام.
وأوضح أن لدينا تأثيراً مباشراً منذ اتفاقية سايكس –بيكو وما أعقبها من تقسيم للمنطقة، ثم بعدها ما يجري من استهداف للأشخاص بشكل مباشر، وتعزيز الثقافة الفردية الذاتية، وتعزيز الثقافة الاستهلاكية للفرد، وعمليات تغييب الشعوب، وعمليات تشويه التايخ. وأشار في هذا السياق إلى أن الدكتور محمد رفعت الإمام تناول القضية الكردية بكل أبعادها التاريخية، وحركة الكرد النضالية، في ظل شعب مثل الشعب الكردي الذي هو جزء من الحضارة الإنسانية في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن الشعب الكردي من الشعوب التاريخية في المنطقة، مثل المصريين أو العرب، مشدداً على أن هذه الشعوب الحضارية هي التي تم استهدافها من قبل الحداثة الرأسمالية. كما تحدث في هذا السياق عن إشكالية دخول الدراسات الاستشراقية إلى الشرق الأوسط، والتي أحدثت مشكلة على صعيد مناهجنا الدراسية، واستهداف الشباب بشكل واضح داخل هذه المنظومة، بغرض خلق شباب لا يعرف تاريخه أو حضارته.
وتحدث الدكتور علي ثابت صبري عن محاكاة عبدالله أوجلان ونضاله وإحيائه للقضية الكردية من الرماد، مشدداً على الدور المهم لـ"أوجلان"، كما أكد أهمية دراسة شخصيته وفلسفته التي طرحها فيما يخص الأمة الديمقراطية والمرأة والشباب والإيكولوجية، والحياة التشاركية بين شعوب الشرق الأوسط، وإحياء القضية الكردية.
وأشار إلى أن النقاط السابقة كلها كانت دوافع للدكتورمحمد رفعت الإمام للتوجيه بمحاكاة هذه الشخصية صاحبة المشروع الإصلاحي والفكري الذي ليس له مثيل في الشرق الأوسط منذ 50 عاماً، منوها إلى أن المشروع الأوجلاني ليس مشروعاً كردياً، بل مشروعاً موجها لكل شعوب الشرق الأوسط، لمواجهة أفكار الحداث الرأسمالية وأدواتها للسيطرة على شعوب المنطقة.
مصر والكرد
في هذا السياق، أكد الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أن مصر كانت سباقة في دعم الشعب الكردي عبر التاريخ، وتجسد ذلك تاريخياً في علاقة الفراعنة بالميثانيين في الألف الثاني قبل المبلاد، كما في العصر الإسلامي والدولة الأيوبية، وما بعد ذلك في سلالة محمد علي باني مصر الحديثة.
وعدد الإمام الأمثلة على ذلك، فقد كانت مصر الدولة التي صدرت بها أول صحيفة كردية وهي "كردستان" سنة 1898، ومن مصر أيضاً بثت أول إذاعة كردية في البلاد العربية، معرباً عن أمنياته أن تحذو سوريا حذوالقاهرة فيما يتعلق بالتعامل مع الكرد، وأن تقم بتعديل مناهج التاريخ التي تدرس في المناهج الدراسية، لتعكس حقيقة وجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية، ودوره الريادي في حماية هذه الجغرافيا المتنوعة تاريخياً وكذلك في عصرنا الحالي.
ولفت أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر إلى أهمية مادة "قضايا تاريخية معاصرة"، في إطار التعريف بالقضايا التي تشغلنا، ومعرفة العدو، وربط الواقع بالعلم الأكاديمي، مشيراً إلى أنه تفاجئ باتصالات كثيرة تحييه على فكرة امتحان المادة، والذي تضمن أسئلة حول قضايا رئيسية ومحورية مثل القضيتين الفلسطينية والكردية.
قضية إنسانية
وخلال الندوة جرى الاستماع لآراء الطلاب الذين شاركوا في تجربة المحاكاة، وقد تحدث كل عن دوره في تلك التجربة، التي يقول الدكتور محمد رفعت الإمام إنه قد ترك للجميع أن يقول رأيه خلالها بمنتهى الحرية، وسمح خلالها لجميع الأطراف أن تقول آرائهاوتتحدث، فيما ترك الرد في آخرها لمن يحاكي شخصية عبدالله أوجلان.
وأكدت آراء الطلاب أن القضية الكردية ليست مجرد سرد تاريخي، بل قضية إنسانية، وتحدثوا عن الطريقة التي تعاطت تركيا بها مع حقوق الكرد. كما تطرقوا إلى دور أوجلان في تأسيس حزب العمال الكردستاني الذي وصل صداه إلى العالم كله، كما أعربوا عن قناعاتهم بضرورة أن تنظر أنقرة بشكل إيجابي لحقوق الكرد، وأن يكون لديها استجابة لـ"نداء السلام" الذي أطلقه أوجلان في 27 فبراير.
وأعربوا كذلك عن أن تجربة المحاكاة، ودراسة مادة قضايا تاريخية معاصرة، كانت فرصة جيدة للتعرف على شخصية عبدالله أوجلان، الذي رغم كل ما تعرض له لم يستسلم، ما يدل على أنه شخصية شجاعة للغاية، وقد أسس حزب العمال الكردستاني، وباحث عن حق الشعب الكردي، وقد تعرض في سبيل ذلك لكثير من الأذى، معربين عن دعمهم له في نضاله واستمراره عليه.
ختام
في الختام، أكد الدكتور علي ثابت صبري، موجهاً حديثه لهؤلاء الطلبة، أن تاريخ القضية الكردية بات واضحاً لديهم، موضحاً أن النضال الأوجلاني مر بمرحلتين عسكرية وسياسية، ففي مرحتله العسكرية لم يكن الغرض منها الصدام بقدر فرض القضية على الأرض وإحيائها، فلولا هذه المرحلة المسلحة لما كانت القضية الكردية حاضرة حالياً، مؤكداً أن الكرد شعب يتمتع بالسلمية طوال تاريخه.
كما أكد أن إطلاق نداء السلام من قبل أوجلان لم يكن عن ضعف أو موائمات سياسية، وإنما أتى بعد أن نجح في تهيئة وعي الشعب الكردي بقضيته، وقد باتهذا الشعب يمتلك حالياً وعياً إلى جانب تاريخه وحضارته في ظل التقسيمات التي تشهدها المنطقة، مشيراً إلى تركيز (آبو) على معركة الوعي.