بث تجريبي

أسعد العبادي يكتب: حزب العدالة والتنمية بين فرصة السلام ومخاوف الداخل التركي

تشهد الساحة السياسية التركيّة لحظة مفصلية قد تفتح الباب أمام إنهاء أحد أطول النزاعات في الشرق الأوسط، بعد أن أبدى حزب العمال الكردستاني استعداده وقف عملياته العسكرية، وإنهاء مرحلة الكفاح المسلح والانخراط في العمل السياسي السلمي. ورغم ما تمثله هذه الخطوة من فرصة تاريخية لتحقيق السلام الداخلي، إلا أن حزب العدالة والتنمية يبدو متردداً في استثمارها بشكلٍ كامل، نتيجة مجموعة من المخاوف السياسية والداخلية المعقدة. في جوهر الموقف، يواجه الحزب الحاكم، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، مفارقة صعبة بين منطق الدولة التي تحتاج إلى السلام والاستقرار، ومنطق السياسة الذي يخضع لحسابات التحالفات والمصالح الانتخابية.

أول تلك المخاوف تتمثل في ردود الفعل القومية داخل تركيا. فحزب الحركة القومية (MHP) وحلفاؤه داخل مؤسسات الدولة ما زالوا ينظرون إلى القضية الكردية من منظور أمني بحت، ويرفضون أي مبادرة يمكن أن تُفهم على أنها تنازل أو اعتراف بالهوية السياسية للكرد. وأردوغان، الذي يعتمد على هذا التحالف القومي الإسلامي منذ عام 2015، يخشى أن يؤدي أي انفتاح على الملف الكردي إلى تفكك التحالف الحاكم وفقدان التوازن البرلماني الذي يستند إليه.

ثانياً، يخشى العدالة والتنمية من استغلال المعارضة لهذه الخطوة، إذ قد تقدمها أحزاب المعارضة، مثل الشعب الجمهوري (CHP) أو الأحزاب المنشقة عن العدالة والتنمية (المستقبل والديمقراطية والتقدم)، على أنها مناورة انتخابية أو محاولة للهروب من الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، هذا الخطاب المعارض قد يُضعف موقع الحزب بين قاعدته المحافظة التي تميل إلى الاستقرار وتتحسس من أي تغيير جذري في السياسات الداخلية. أما ثالث المخاوف، فتتعلق بالانعكاسات الإقليمية. فأنقرة تخشى أن يؤدي الانفتاح على الكرد في الداخل إلى تشجيعهم في سوريا والعراق على المطالبة بحقوق مشابهة، بما في ذلك مشاريع الحكم الذاتي التي تعتبرها تركيا تهديداً مباشراً لوحدة أراضيها القومية. لذلك، تفضل الحكومة السير بحذر شديد في أي عملية سياسية قد تُترجم خارج الحدود.

ومع ذلك، فإن استعداد حزب العمال الكردستاني لإنهاء العمل المسلح والانخراط في العملية السياسية يمثل فرصة نادرة أمام تركيا للانتقال من منطق الصراع إلى منطق المواطنة المتساوية. فبلد مثل تركيا، بطاقاته البشرية والاقتصادية الكبيرة، يحتاج إلى إنهاء ملف النزاع حتى يوجه موارده نحو التنمية والاستقرار والاندماج الإقليمي.

إن الخشية من السلام، في جوهرها، ليست خوفاً من إنهاء الصراع، بل من كلفته السياسية على النظام الحاكم. وبين الواقعية السياسية وضغوط الشارع القومي، تبقى المبادرة السلمية الكردية أمام اختبار الإرادة التركية، التي إن التقطت اللحظة التاريخية، قد تضع حداً لصراع عمره حوالي أربعة عقود، وتفتح أمام تركيا طريقاً جديداً نحو مستقبل أكثر توازناً واستقراراً.

نقلا عن صحيفة روناهي

قد يهمك