بث تجريبي

البرلمان العراقي يشعل معركة "المياه والمال" ..  صراع الصلاحيات يبلغ ذروته بين السوداني والنواب

في مشهد سياسي متصاعد يعكس عمق التوتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، اشتعلت في العراق أزمة جديدة تحت عنوان "الطوارئ المائية"، بعدما وجّهت لجنتا المالية والزراعة والمياه والأهوار في البرلمان تحذيراً شديد اللهجة إلى الحكومة، مطالبتين بعقد جلسة طارئة لمناقشة ما وصفوه بـ"قحط المياه" وإلزام الحكومة بإعلان حالة الطوارئ المائية.

هذه الخطوة غير المسبوقة، وفق تقارير إعلامية عراقية، اعتُبرت بمثابة تحدٍ مباشر لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومحاولة لتقييد صلاحياته في إدارة الملفات الحساسة.

تعطيش العراق من تركيا

البيان المشترك الذي وقّعه رئيس اللجنة المالية يوسف الكلابي ورئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار فالح الخزعلي، لم يكتفِ بالإشارة إلى أزمة المياه باعتبارها كارثة بيئية، بل حوّلها إلى وثيقة سياسية تستهدف إحراج الحكومة أمام الرأي العام، من خلال اتهامها بالتقاعس في مواجهة ما وصفوه بـ"تعطيش العراق" من جانب تركيا.

وكذلك اتهامه بالتهاون في حماية الحصة المائية الوطنية. كما هاجم البيان ما سماه "صمت الحكومة" إزاء الإجراءات التركية التي تهدد الأمن المائي للبلاد، في إشارة إلى مشاريع السدود العملاقة مثل سد أليسو الذي قلّص تدفقات نهر دجلة إلى مستويات غير مسبوقة.

تحرك أكثر خطورة

لكن ما يجعل هذا التحرك أكثر خطورة هو تزامنه مع ضائقة مالية خانقة تشهدها البلاد، إذ وجّهت اللجنتان انتقاداً مباشراً لقرار رئيس الوزراء بمنع وزيرة المالية من المثول أمام اللجان البرلمانية إلا بموافقته، واعتبرتا هذا الإجراء تضييقاً متعمداً على الدور الرقابي للبرلمان في وقت تتطلب فيه الأزمة الاقتصادية شفافية كاملة في إدارة الموارد والإنفاق العام.

ويشير مراقبون إلى أن هذا الموقف البرلماني يعكس رغبة واضحة في استعادة التوازن بين السلطتين، خصوصاً مع تزايد الاتهامات بأن مكتب رئيس الوزراء يفرض وصاية على بعض الوزراء ويعطل التواصل المؤسسي مع مجلس النواب.

نداء شامل

البيان لم يتوجه إلى الحكومة فحسب، بل وجّه نداءً إلى الشعب والمرجعية الدينية والقوى السياسية ووسائل الإعلام كافة، في خطوة تهدف إلى تعبئة الرأي العام وحشد الضغط الشعبي والديني ضد رئاسة الوزراء.

فباستدعاء المرجعية والشارع إلى المشهد، يسعى البرلمان إلى إضفاء غطاء وطني وديني على معركته مع الحكومة، وتحويل الأزمة من خلاف إداري إلى قضية سيادية تمسّ كرامة الدولة وحقها في الحياة المائية والاقتصادية.

أزمة المياه تتحول إلى ورقة سياسية

وبينما يرى مراقبون أن البرلمان يحاول عبر هذه التحركات إعادة رسم الحدود الدستورية بين السلطات وتثبيت حقه في الرقابة والمساءلة، يحذّر آخرون من أن التصعيد المتبادل قد يدخل البلاد في مرحلة من الشلل السياسي، خصوصاً إذا قرر السوداني التمسك بموقفه الرافض للخضوع لضغط النواب. فالصراع لم يعد فقط على إدارة أزمة المياه، بل أصبح صراعاً على القرار نفسه.

وفي ضوء التطورات المتسارعة، يبدو أن أزمة المياه تحولت من تحدٍ بيئي إلى ورقة سياسية ملتهبة، توظَّف في معركة النفوذ بين البرلمان والحكومة، في لحظة دقيقة قد تحدد مستقبل العلاقة بين السلطتين وتعيد رسم ملامح المشهد السياسي العراقي بأكمله.
 

قد يهمك