مع تصاعد المخاوف من تداعيات سد النهضة الإثيوبي، كشفت مصر عن تحول استراتيجي جذري في إدارة مواردها المائية، قائم على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بدلاً من الاكتفاء بالوسائل التقليدية والرصد الميداني.
فخلال الجلسة الختامية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن خطة وطنية شاملة تستخدم الأقمار الاصطناعية والذكاء الاصطناعي لمتابعة حركة المياه من المنبع إلى المصب، وتحليل الاحتياجات المائية بدقة متناهية، مؤكداً أن الأمن المائي لمصر "خط أحمر غير قابل للمساومة".
مدبولي أوضح أن مصر تواجه منظومة مائية شديدة التعقيد، خاصة في ظل اعتمادها بنسبة تتجاوز 98 بالمئة على نهر النيل، وتراجع حصتها المتاحة بسبب التغير المناخي والزيادة السكانية. وأشار إلى انخفاض نصيب الفرد من المياه لما دون خط الندرة العالمي، ما يجعل إدارة كل قطرة "قضية أمن قومي وليست مجرد خيار تنموي".
كما بيّن أن حوض النيل يستقبل أكثر من 1660 مليار متر مكعب من الأمطار سنويا، لكن حصص دولتي المصب لا تتجاوز 84 مليار متر مكعب، أي ما يعادل خمسة بالمئة فقط من إجمالي الموارد، في دلالة على اتساع الفجوة بين الاحتياجات والمتاح.
وأكد أن مصر لا تعارض التنمية في دول الحوض، لكنها ترفض أي انتقاص من حقوقها التاريخية في مياه النهر.
مصدر بوزارة الموارد المائية والري أوضح أن مصر تطور حالياً نظاماً رقمياً شاملاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لرصد تدفق المياه وأنماط الأمطار، والتنبؤ بالأزمات المائية قبل وقوعها.
وأشار إلى أن الوزارة بدأت بالفعل في تطبيق نظم تحكم إلكترونية في محطات الرفع والقنوات، ترتبط بشبكات مراقبة فضائية، ما يسهم في تقليل الفاقد ورفع كفاءة شبكات الري بنسبة تصل إلى 20 بالمئة.
الخبير الجيولوجي عباس شراقي أكد أن الاعتماد على الأقمار الاصطناعية يمثل نقلة نوعية في متابعة تطورات سد النهضة، حيث تتيح صور أقمار تجارية وعلمية رصد مراحل البناء وحجم التخزين بشكل شبه يومي، ما يوفر لمصر قاعدة بيانات محدثة تعزز من موقفها الفني والتفاوضي.
كما أشار أستاذ الموارد المائية نادر نور الدين إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح "سلاحاً علمياً ودبلوماسياً" لمصر، إذ يمكّنها من تقديم بيانات موثوقة للمحافل الدولية حول أي ضرر محتمل جراء تشغيل السد، وربط التطور التقني بالحقوق القانونية في مياه النيل.
بهذا التوجه، تتحول التكنولوجيا في مصر من مجرد أداة مساعدة إلى عنصر دفاعي واستراتيجي يسعى إلى حماية مستقبل الأمن المائي في مواجهة أكبر تحدٍ مائي في تاريخها الحديث.