في مفاجأة جاءت على هامش مقابلة حصرية مع برنامج "ذي أكسيوس شو"، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده للتخلي عن المنصب إذا انتهت الحرب مع روسيا، مؤكِّداً أن هدفه الأول هو إيقاف القتل وإعادة البلاد إلى حياة طبيعية.
تصريحات زيلينسكي التي ظهرت كإشارة مفصلية في مسار الأزمة لا تقلل من حدة لهجته المتشددة تجاه موسكو في المقابلة نفسها، حيث كشف عن دعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإمكانية توجيه ضربات لأهداف روسية استراتيجية، بما في ذلك بنية الطاقة ومصانع الأسلحة، وأنه طالب بالحصول على منظومة أسلحة يرى أنها قد تجبر الكرملين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ماذا أراد؟
استعداد الاستقالة من جهة والهجوم التصريحي من جهة أخرى يفتحان بابًا واسعًا لتأويلين متوازين: الأول يأخذ التصريح كعرض نبلٍ يندرج في خانة الضغط الأخلاقي والدبلوماسي على المجتمع الدولي لإعادة ترتيب الأولويات نحو السلام؛ والثاني يقرأه كتكتيك سياسي محكوم بمنطق المصلحة: وعد بالتخلي عن السلطة يُستخدم كورقة تفاوضية داخلية وخارجية لتأمين مساحات تسليحية ودبلوماسية أوسع لفرض شروط سلام أفضل أو على الأقل استسلام جزئي لمطالب كييف.
تصريح زيلينسكي عن تلقّيه "دعمًا صريحًا" من ترامب لضرب أهداف روسية استراتيجية وما قاله عن طلب منظومة أسلحة بعيدة المدى من الولايات المتحدة يكشف عن بعد آخر: الأبعاد التكتيكية لسياسة الحرب. إذ يبدو أن كييف تحاول مزج خيار التفاوض مع خيار الضغط العسكري المدعوم دولياً كخريطة طريق مزدوجة نحو إنهاء النزاع. هذا المزيج يعكس إدراكًا أوكرانيًا بأن وقف النار وحده قد لا يكفي لفرض تسوية مستدامة ما لم يُصحب بقدرة عسكرية تقفل باب الرجوع إلى العدوان.
لهجة الحديث
وحين قال زيلينسكي إن على الروس أن يعرفوا "أين توجد الملاجئ من القنابل" تصريح يكشف استراتيجية تواصلية مزدوجة: تهديد واضح موجه للجانب الروسي لرفع تكلفة استمرار الحرب، وفي الوقت نفسه رسالة طمأنة داخلية لتأكيد أن القيادة لن تتهاون في الدفاع عن الشعب والأرض.
لكن هناك مخاطرة: تصعيد مثل هذا الخطاب قد يُغذي مبررات موسكو لتصعيد مقابل أو لاستغلاله داخليةً ضد كييف (اتهامات باستهداف عمق موسكو)، ما يعيد النقاش حول حدود الدعم الغربي وأخلاقياته في حرب يمكن أن تتوسع إذا ما تجاوزت الضربات الأهداف العسكرية إلى بنى تحتية حساسة.
حاجة داخلية
من زاوية داخلية أوكرانية، إعلان الاستعداد للتخلي عن المنصب يمكن أن يُقرأ كحركة سياسية ذكية: يخفف عن زيلينسكي تهمة التمسك بالسلطة، ويمنح خصومه المحليين ورقة للمشاركة في بناء مرحلة ما بعد الحرب، ما قد يسهل قبول تنازلات سياسية ضرورية لإنهاء الصراع.
لكنه أيضاً يفتح تساؤلات جدية عن وضوح الآليات الدستورية والقانونية لضمان انتقال منظم في وقت لا تزال البلاد في حالة حرب، لا سيما أن الاستفتاءات والانتخابات قد تكون مستحيلة أو محفوفة بالمخاطر الأمنية.
نبض الشرق
من زوايا العالم