في خطوة تعكس خطورة المرحلة وتداعياتها الإقليمية، عقد مجلس الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي دورته الاستثنائية في الدوحة، برئاسة الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، وبمشاركة وزراء دفاع دول المجلس. الاجتماع جاء كرد مباشر على الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف السيادة القطرية، واعتبره الوزراء تهديداً لا يخص الدوحة وحدها، بل يمتد إلى مجمل الأمن الخليجي.
المجلس أدان الاعتداء بأشد العبارات، معتبراً إياه خرقاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فضلاً عن كونه تصعيداً غير مسبوق في لحظة إقليمية حرجة. اللافت أن البيان شدد على مبدأ "الأمن الجماعي"، مؤكداً أن المساس بدولة قطر هو اعتداء على جميع دول المجلس، وأن الرد الخليجي سيكون موحداً دفاعاً عن الأمن والاستقرار.
البعد السياسي
البعد السياسي في الاجتماع برز بشكل واضح، إذ لم يقتصر الأمر على الجانب العسكري؛ بل ربط المجلس الاعتداء بمحاولة عرقلة جهود الوساطة القطرية لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين. بهذا المعنى، فإن الهجوم لم يستهدف قطر كدولة فحسب، بل مس دورها الدبلوماسي المتنامي في القضايا الإقليمية، وهو ما يمثل ضربة لمحاولات التهدئة في الشرق الأوسط.
على المستوى العملي، خرج المجلس بخمس قرارات جوهرية تعكس التحول من الإدانة إلى الفعل. من أبرزها: تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية عبر القيادة العسكرية الموحدة، وتطوير منظومة الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية، إلى جانب تحديث الخطط الدفاعية المشتركة. كما تم الاتفاق على تنفيذ تمارين عملياتية وجوية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ما يعكس حالة الاستنفار والتأهب لمواجهة أي تهديدات إضافية.
أبعاد استراتيجية
القرارات الخليجية تحمل أبعاداً استراتيجية مهمة. فمن جهة، تعكس إدراكاً بأن مواجهة التحديات الراهنة تتطلب بنية دفاعية متكاملة، تتجاوز التعاون التقليدي نحو بناء شبكة متصلة من الأنظمة الدفاعية. ومن جهة أخرى، توجه رسالة سياسية إلى إسرائيل بأن أي استهداف لدولة خليجية سيقابل برد جماعي، وأن أمن الخليج لم يعد ورقة قابلة للتجزئة أو المساومة.
هذه التطورات تعكس أن الاعتداء الإسرائيلي على قطر لم يكن مجرد حادث عابر، بل محطة فارقة في بلورة رؤية خليجية جديدة تقوم على تعزيز التكامل الدفاعي وتحويل اتفاقية الدفاع المشترك من نصوص إلى خطط عملية. كما أنها تضع أمام إسرائيل والمجتمع الدولي صورة أوضح: أن أي محاولة لفرض وقائع بالقوة ستقابل بجبهة إقليمية موحدة.
في المحصلة، أظهر اجتماع الدوحة أن مجلس التعاون الخليجي، برغم خلافاته السابقة، قادر على توحيد صفوفه عندما يتعلق الأمر بالسيادة والأمن الجماعي. وهو ما يجعل الاعتداء الإسرائيلي نقطة تحول قد تعجّل بميلاد منظومة دفاع خليجية أكثر تماسكاً واستعداداً لمواجهة التحديات المقبلة.