أعلنت وزارة الداخلية العراقية، اليوم الأربعاء، أن الموعد النهائي لتسجيل الأسلحة لدى الأجهزة الأمنية المختصة سينتهي في 31 ديسمبر المقبل، مؤكدة أنها لا تنوي تمديد هذه المهلة.
ووفقاً لتصريحات العميد زياد القيسي، المتحدث باسم اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، فإن أي سلاح غير مسجل بعد هذا التاريخ سيُعد غير قانوني، وسيتم مصادرته مع فرض العقوبات المقررة بحق حامله.
القيسي أوضح أن العقوبات تتدرج بحسب نوع السلاح، من الغرامة وحتى السجن، استناداً إلى أحكام قانون الأسلحة النافذ. كما أشار إلى أن الأسابيع الأخيرة شهدت إقبالاً متزايداً من المواطنين على تسجيل أسلحتهم، في إشارة إلى جدية الدولة في المضي قدماً نحو تنظيم هذا الملف المزمن.
أبعاد أمنية وسياسية
الخطوة تأتي في إطار مساعٍ حكومية متواصلة للحد من ظاهرة انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وهي واحدة من أعقد المشكلات التي عانى منها العراق على مدى العقدين الماضيين.
فالتجربة العراقية تشير إلى أن السلاح ظل مرتبطاً بالتوترات السياسية والطائفية، فضلاً عن حضوره القوي في النزاعات العشائرية، مما جعل الأمن الداخلي هشّاً في أوقات الأزمات.
وبالنظر إلى السياق الراهن، فإن تحديد موعد نهائي غير قابل للتمديد يعكس رغبة الحكومة في فرض هيبة القانون ومنع حالة “اللا دولة” التي غذتها ظاهرة السلاح المنفلت. كما أنه رسالة إلى القوى الداخلية والخارجية بأن بغداد جادة في ضبط الوضع الأمني، خصوصاً في ظل التحديات التي تفرضها المرحلة المقبلة مع اقتراب الانتخابات المحلية والبرلمانية.
عقبات التنفيذ
غير أن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ الفعلي. فالعراق ما يزال يواجه إشكالية وجود جماعات مسلحة تمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة، تتجاوز قدرات الأفراد العاديين.
وفي حين أن المواطنين قد يلتزمون بشكل أكبر بتسجيل أسلحتهم الفردية، فإن إخضاع الفصائل المسلحة لنفس المعايير قد يتطلب توافقات سياسية معقدة وضغوطاً إقليمية ودولية.
دلالات على المدى البعيد
وإذا نجحت الحكومة في إنفاذ هذه المهلة بصرامة، فإن ذلك سيشكل خطوة متقدمة نحو بناء دولة القانون، ويعزز ثقة الشارع العراقي بمؤسسات الأمن. كما أن تقليص عدد الأسلحة غير الشرعية سيسهم في خفض معدلات العنف العشائري والجريمة المنظمة، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار الأمني.
لكن في المقابل، فإن أي تهاون أو استثناءات قد يفرغ القرار من مضمونه ويعيد إنتاج دوامة الفوضى. لذا، فإن اختبار جدية الدولة سيكون مرهوناً بمدى قدرتها على الموازنة بين التطبيق الصارم والتعامل الواقعي مع القوى النافذة.
وبهذا، يبدو أن معركة حصر السلاح بيد الدولة قد دخلت مرحلة مفصلية، ستحدد ليس فقط مستقبل الأمن في العراق، بل أيضاً ملامح الدولة الحديثة التي تسعى بغداد إلى ترسيخها.