بث تجريبي

بأصابع تركية .. العراق مهدد بكارثة إنسانية نتيجة شح المياه

حذّر المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق من أن البلاد تقف على أعتاب كارثة إنسانية وشيكة نتيجة تفاقم أزمة شح المياه، في ظل غياب المعالجات الجذرية وضعف الاستجابة الرسمية.

وأوضح المركز، في بيان له اليوم الأحد، أن العراق يواجه ملامح أزمة متعددة الأبعاد؛ فشحّ المياه يتزامن مع تكرار الحوادث المأساوية مثل حرائق المستشفيات والأسواق، وسوء إدارة الأزمات البيئية والمناخية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الحقوق الأساسية للإنسان، بما فيها الحق في الحياة والصحة والسكن والعيش الكريم.

حياة الآلاف معرضة للخطر 

وأشار البيان إلى أن استمرار هذا الواقع، مع غياب الخطط الوقائية وضعف الاستعداد المؤسسي، يعرض حياة آلاف المواطنين للخطر، ويمهّد لانزلاقات اجتماعية واقتصادية قد تصل إلى النزوح القسري والصراع المجتمعي.

وطالب المركز الحكومة والبرلمان العراقيين بإعلان حالة تأهب إنساني عاجلة، والشروع في صياغة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة تداعيات الجفاف والتغير المناخي، ترتكز على الشفافية والمشاركة المجتمعية وإشراك منظمات المجتمع المدني في الرقابة والتنفيذ. كما دعا المجتمع الدولي إلى دعم العراق في مواجهة هذه الأزمة، والضغط على الدول المتشاطئة لاحترام الحصص المائية وفق القوانين الدولية، حمايةً للسلم الأهلي وحقوق ملايين العراقيين.

ويأتي هذا التحذير في وقت يرى فيه خبراء أن أزمة المياه في العراق لم تعد مجرد قضية بيئية، بل ملف سيادي وأمني يرتبط بالاستقرار الداخلي والسلم الإقليمي. فالتقاعس عن مواجهة التحدي المائي لا يعني فقط تهديد حياة العراقيين اليومية، بل يفتح الباب أمام سيناريوهات أخطر، من أزمات اقتصادية متصاعدة إلى موجات نزوح قد تغيّر الخريطة السكانية والسياسية في البلاد.

السدود التركية وأزمة المياه

ولا يمكن قراءة التحذيرات المتكررة بشأن شحّ المياه في العراق بمعزل عن المشاريع المائية الضخمة التي تنفذها تركيا منذ عقود على نهري دجلة والفرات. فبينما يحذّر خبراء البيئة ومنظمات حقوقية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة ملايين العراقيين، تظل حقيقة أن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة ناتج عن سياسات دول الجوار، وفي مقدمتها أنقرة.

فتركيا شرعت منذ ثمانينيات القرن الماضي في تنفيذ مشروعها العملاق المعروف بـ”مشروع جنوب شرق الأناضول” (GAP)، الذي يتضمن بناء سلسلة من السدود على حوضي دجلة والفرات. ومن أبرز هذه المنشآت سد أتاتورك على نهر الفرات وسد إليسو على نهر دجلة، الأخير تحديداً أثار جدلاً واسعاً بعد تشغيله عام 2019، حيث أدى إلى انخفاض حصة العراق من مياه دجلة بأكثر من النصف، وفق تقديرات خبراء المياه. هذا الانخفاض لم يكن مجرد رقم في سجلات الهيدرولوجيا، بل انعكس مباشرة على حقول المزارعين، ومستوى مياه الشرب، وحتى على ديمومة الأهوار التي تعد إرثاً طبيعياً عالمياً.

وتصر أنقرة على اعتبار نهري دجلة والفرات “موارد وطنية” تخضع لسيادتها، وليست أنهاراً دولية تستوجب تقاسم المنفعة وفق القوانين الدولية.

هذا الموقف السياسي يمنحها حرية شبه مطلقة في إدارة المياه، لكنه في الوقت ذاته يحوّل المياه إلى ورقة ضغط جيوسياسية على بغداد ودمشق.

وإلى جانب تركيا، ساهمت إيران أيضاً في تفاقم الأزمة عبر بناء سدود وتحويل مجاري أنهار صغيرة تصب في العراق مثل نهر سيروان ونهر الكارون، ما أدى إلى تقليص الموارد المائية الواصلة إلى محافظات ديالى والبصرة.

تداعيات سياسية واجتماعية 

إن خطورة هذه الأزمة لا تكمن في بعدها البيئي فقط، بل في تداعياتها الاجتماعية والسياسية. فشحّ المياه يعني تراجع الإنتاج الزراعي، وارتفاع نسب البطالة والفقر، وازدياد احتمالات النزوح الداخلي، وهي كلها عوامل تهدد السلم الأهلي وتفتح الباب أمام أزمات متشابكة تمتد من الاقتصاد إلى الأمن.

لذلك فإن التحذيرات من “كارثة إنسانية” ليست توصيفاً مبالغاً فيه، بل هي انعكاس لواقع تتداخل فيه آثار التغير المناخي مع حسابات الجغرافيا السياسية.

 

قد يهمك