بث تجريبي

مصادرة 3 محطات تلفزيونية .. حرية الصحافة والإعلام في مرمى تعسف النظام التركي مجدداً

في مشهد لم يعد غريباً على الداخل التركي، أعلنت النيابة العامة في مدينة إسطنبول التركية، اليوم الخميس، مصادرة 121 شركة بينها ثلاث محطات تلفزيونية بارزة، وأصدرت أوامر بتوقيف عشرة من مدرائها بتهم تتعلق بالاحتيال والتهرب الضريبي وغسل الأموال.

ورغم أن السلطات قدمت الأمر كإجراء قانوني بحت، إلا أن العديد من المراقبين يرونه حلقة جديدة في مسلسل التضييق على حرية الإعلام وتحويل البلاد إلى سجن كبير لكل الأصوات المستقلة والمعارضة.

الإجراء استهدف شركة "جان القابضة"، المالكة لعدد من القنوات المؤثرة مثل "خبر تورك"، و"شو تي في"، و"بلومبرغ إتش تي"، والتي كانت قد توسعت في السوق الإعلامية العام الماضي. ومع أن البيان الرسمي أشار إلى وجود "منظمة إجرامية" عبر شركاتها، إلا أن توقيت القرار وحجمه أثارا علامات استفهام كبيرة حول دوافعه الحقيقية.

علامات استفهام

فتركيا، خلال العقد الأخير، شهدت تحولات جذرية في علاقتها مع الإعلام. فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، اعتمدت الحكومة على ذريعة "مكافحة الإرهاب" والفساد لتبرير إغلاق مئات الصحف والقنوات، واعتقال عشرات الصحفيين، ما دفع منظمات دولية مثل "مراسلون بلا حدود" إلى تصنيف تركيا ضمن أسوأ دول العالم في حرية الصحافة. واليوم، يرى مراقبون أن مصادرة شركات إعلامية كبرى ليست سوى امتداد لسياسة إخضاع المشهد الإعلامي برمته لهيمنة السلطة.

إن السيطرة على الإعلام في تركيا لم تعد تقتصر على تكميم الأفواه أو حجب المواقع الإلكترونية، بل تطورت لتشمل أدوات اقتصادية وقانونية معقدة. فكلما برز صوت إعلامي مستقل أو قناة تحاول الحفاظ على مساحة للنقد، يجد نفسه تحت مقصلة التحقيقات المالية أو التهم الجاهزة بالاحتيال ودعم الإرهاب. وفي الوقت نفسه، يجري ضخ قنوات وصحف موالية للسلطة، تتلقى الدعم السياسي والمالي المباشر، لتكريس خطاب رسمي أحادي يهمّش أي رواية بديلة.

أوضاع سياسية حساسة

اللافت أن خطوة النيابة ضد "جان القابضة" تأتي في ظل أوضاع سياسية حساسة. فالبلاد تعيش أزمات اقتصادية خانقة، وتراجعاً في قيمة الليرة، واحتقاناً اجتماعياً بسبب سياسات الحكومة. لذلك يرى البعض أن استهداف شركات إعلامية بارزة قد يكون وسيلة لتقليل المساحات التي يمكن أن تنقل صورة الواقع الصعب، أو تسمح بمساءلة السياسات الحكومية أمام الرأي العام.

التحليل الأوسع لهذه القضية يكشف أن تركيا تتجه نحو نموذج يضع الإعلام تحت سيطرة شاملة، بحيث يصبح الصحفي مجرد مروّج للخطاب الرسمي، أو مهدداً بالملاحقة والسجن. هذا النهج لا يضر فقط بالحريات الأساسية، بل يقوّض أيضاً أسس الديمقراطية ويضعف قدرة المجتمع على محاسبة السلطة.

فضاء مغلق

إن مصادرة مؤسسات إعلامية بحجم "خبر تورك" و"شو تي في" و"بلومبرغ إتش تي" لا يمكن قراءتها بمعزل عن سجل تركيا في السنوات الأخيرة. فكلها مؤشرات إلى أن البلاد تتحول إلى فضاء مغلق، حيث تُكمم الأفواه وتُخنق التعددية، لتُترك فقط مساحة ضيقة موجهة لصالح السلطة الحاكمة.

وفي النهاية، قد تنجح أنقرة في السيطرة على الإعلام المحلي مؤقتاً، لكنها تدفع ثمناً باهظاً على المستوى الدولي، إذ يتراجع تصنيفها الحقوقي، وتُقدَّم للعالم كبلد يحارب الكلمة الحرة ويحوّل الصحافة إلى جريمة، وهو ما قد يضعف ثقة المستثمرين وحلفاء تركيا على المدى البعيد.

قد يهمك