شاركت جيدم دوغو، عضوة المجلس التنفيذي لمنظومة المرأة الكردستانية (KJK)، في برنامج خاص على قناة "مديا خبر" التلفزيونية، حيث قدّمت رؤيتها حول قفزة الخامس عشر من آب ودور اللجنة التي شكّلها البرلمان، وفيما يلي أبرز ما جاء في تقييماتها:
"إنها الذكرى السنوية الحادية والأربعون لقفزة الخامس عشر من آب، ومع المستوى الذي بلغه نضالنا اليوم، فإن إعادة إضفاء المعنى على الخامس عشر من آب من جديد، تبدأ أولاً باستذكار الرفيق عكيد، الذي أطلق الرصاصة الأولى في ذلك اليوم وقاد العملية، وكل شهدائنا الثوريين، إذ يُعدّ ذلك بالنسبة لنا واجباً ومسؤولية أساسيين.
ولقد شكّل الخامس عشر من آب في تركيا وكردستان بداية إزالة سياسة إنكار الكرد، فقد أصبحت تلك الرصاصة الأولى رمزاً ليوم انكسر فيه وتلاشى الخوف الذي كان يسيطر على الشعب الكردي وكذلك شعوب الشرق الأوسط.
ولذلك، وفي المستوى الراهن، فإننا نضفي المعنى ليوم الخامس عشر من آب على هذا النحو، أي كمرحلة من الحرب والدفاع الذاتي أنهت إنكار الوجود الكردي، وأوجدت قيم الحرية للشعب الكردي وللشعوب والنساء.
وإنني أستذكر، بكل إجلال ومحبة وامتنان، جميع شهداء ثورتنا في شخص الرفيق عكيد والرفيقة زيلان، وفي شخص الرفيق صوفي والرفيق كوجرو اللذين أُعلن استشهادهما مؤخراً. وفي الحقيقة، إذا كنا اليوم نستطيع الحديث عن عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، وإذا كان بإمكاننا التطرق إلى انتقال القيم التي أبدعها الشعب الكردي نحو مرحلة جديدة، وإلى بناء نظام التحرر، فإننا ندين بذلك لكل شهيد من شهدائنا.
ولا شك أن نجاح هذا النضال غايته وتحقيق النتيجة النهائية، سيكون الجواب الأوفى والأسمى الذي نقدّمه لهم.
اللجنة يجب أن تتحرّك برؤية تاريخية وعلمية
إن تشكيل لجنة كهذه يُعد أمراً بالغ الأهمية، غير أن الأساس يتمثل في مدى قدرة هذه اللجنة، في إطار المئة عام الماضية بل وما يتجاوزها، على إزالة سياسة إنكار الوجود الكردي، ومناهضة الشعوب، ومعاداة المرأة، بل ومعاداة القيم الديمقراطية بوجه عام، ومدى قدرتها على إيجاد حلول لهذه القضايا؛ فهذا هو الجوهر، وبلا شك نحن ننظر إلى الأمر من هذه الزاوية، وإلا فإن اتخاذ خطوة من هذا النوع يظل ذا دلالة ومعنى، ويحمل أهمية تاريخية.
ينبغي أن تنتهج اللجنة، في هذا السياق، مقاربة شديدة العلمية والاستراتيجية، وقد أكد القائد آبو ذلك مراراً وتكراراً، بل إن دولت بهجلي لفت الانتباه إلى ذلك بين الحين والآخر، غير أننا ندرك أن القائد آبو، منذ تسعينيات القرن الماضي، قد تحدث عن التحالف الاستراتيجي بين الشعبين الكردي والتركي.
فهناك تاريخ يمتد لألف عام بدأ مع ملاذكرد، وقد مضت نحو 800–850 سنة من هذا التاريخ في إطار تحالف، بل وعلى أساس تحالف إيجابي إلى حد كبير، غير أن المئة إلى المئة والخمسين سنة الأخيرة، وبشكل أدق يمكننا القول إن المئة عام التي انقضت منذ تأسيس الجمهورية التركية، شهدت تطور الأحداث في صورة حرب شديدة القسوة والدموية، ما خلّف صدمات ومعاناة عميقة.
ولذلك، يجب على اللجنة أن تتحرك ليس بناءً على المستجدات الحالية فحسب، بل من منظور علمي وتاريخي، لتحديد القيم التي سنجتمع حولها في التاريخ، وتلك التي سنرفضها بشكل واضح. وبفضل هذا النهج، يمكن تحديد كيفية حل القضية الكردية في الواقع الراهن، وكذلك كيفية إيجاد حلول لكل القضايا الكبرى الأخرى على حدة، ومن هذا المنطلق، يجب أن تتبوأ اللجنة دور الريادة.
يجب بالتأكيد إجراء اللقاء مع القائد آبو
هنا، من الأهمية بمكان القول إن اللجنة، من أجل أداء مهمتها، ملزمة باللقاء مع القائد آبو ومناقشته وأخذ المنظور الذي يقدمه بعين الاعتبار، إذ إن القائد آبو ليس شخصاً يمكن التعامل معه مثل أي ممثل عادي لحزب سياسي أو مؤسسة، بل طرح مكانة حول المجتمع الديمقراطي والسلام.
وإذا شبّهنا هذه المكانة بمبنى، فإن القائد آبو يشكّل الدعامة والركيزة الأساسية لهذا المبنى؛ فهو القوة الجوهرية التي تبقيه قائماً وصامداً، ولهذا، فإن دوره في الريادة والريادة أمر لا جدال فيه.
فالآراء التي أشار إليها القائد آبو في المانيفستو التي طرحها والتقييمات التي قدمها سابقاً، تحمل ملاحظات كبيرة وذات أهمية بالغة، حيث أن القائد يؤدي هذه الأعمال بجدية كبيرة.
ولذلك، يجب على اللجنة الاستماع إلى آراء القائد آبو وأخذها على محمل الجد، وتحديد توجهاتها بناءً على ذلك، والعمل عليها، إذ إن هذا يشكل المعيار الأساسي لنجاحها، ونحن ننظر إلى عمل هذه اللجنة على هذا النحو.
إذَا تمَّ ابتكار اتفاق بديل، فستتمكن تركيا من التحليق من فوق حافة الهاوية والانطلاق بقوة
تتمتع تركيا بموقع جغرافي استراتيجي للغاية في الشرق الأوسط، فقد لعبت جغرافية الأناضول ومزوبوتاميا دوراً محورياً وحاسماً من هذا النوع على مدى آلاف وعشرات الآلاف من السنين، ولكن مع ذلك، وبالرغم من هذا الدور الاستراتيجي المهم، لماذا نجد أنفسنا كوطن ضعيف ومرتبط بالخارج إلى هذا الحد؟ ولماذا وصل الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى الانهيار في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية؟ فالحياة الاجتماعية بكاملها متدهورة في كافة المجالات، حيث وصلت النساء إلى نقطة لا يمكنهن فيها العيش بحرية أو التنفس براحة، كما أن نظام التعليم يعاني من انهيار واضح، وأوضح مثال على ذلك قضية الشهادات المزورة التي برزت في الآونة الأخيرة؛ حيث يتم التشكيك في صحة شهادات العديد من الأساتذة وحتى الشهادات في مختلف المجالات، فحيثما تحاولون التدقيق في أي جانب من جوانب الدولة، تجدون الفساد والتزوير أمامكم في كل مكان.
إذاً، لماذا نجد أنفسنا في وضع من هذا القبيل؟ نحن في موقع حرج، وكأن الوطن يقف على حافة الهاوية على وشك السقوط، فالسبب الأساسي لذلك هو القضية الكردية؛ موقف الدولة التركية تجاه الشعب الكردي وذهنيتها القائمة على إنكار وجود الشعب الكردي.
حيث أن دستور 1924، المعروف بـ ’دستور 24‘، جرى إعداده هو دستور مستوحى من دستور الجمهورية الفرنسية الثانية ودستور بولندا، ورغم أنه أُدخلت عليه بعض التعديلات وإضافة بعض المواد أو حذفها لاحقاً، إلا أنه في جوهره دستور يعود إلى أكثر من مئة عام مضى، فهذا الدستور بُني بالكامل على أساس معاداة الكرد والشعوب الأخرى، وعلى هيمنة الهوية التركية، وقد أوصل هذا الدستور تركيا اليوم إلى حافة الهاوية، حيث تكاد تسقط، وهي في موقع حرّج، مع وجود احتمال أن تسقط نحو الهاوية.
حسناً، إذا أصررنا على هذه القضية، وإنكار الكرد أكثر، وتدميرهم، وإيلاء الثقل على الجنود والطائرات والاستطلاع، فهل سنتمكن من إنقاذ الوطن من السقوط من على حافة الهاوية، أم أننا سنعجل سقوطه بشكل أكبر؟ هنا تكمن المشكلة.
وقد أصدرت بعض الشخصيات البارزة تحت قيادة الحزب الشيوعي التركي (TKP) بياناً ووقعوا عليه، وعند النظر إلى هذا الأمر من منظور اليسارية أو الثورية، فإن الأمر يبدو حينها مأساوياً للغاية، فمهمة الثوريين لا يمكن أن تكون مثل هذا النهج، حيث أن التقاليد القومية والشوفينية، تعمّقت في تركيا عبر هذا الدستور وعقدة النزعة التركية، لذلك، يجب وضع حد لها وتطوير عقد بديل، فإذا حدث ذلك، يمكن أن ترفرف تركيا وتحلّق بعيداً عن حافة الهاوية.
ويعرض القائد آبو، من خلال المانيفستو والأعمال التي قدمها على مدار سنوات، هذه الصيغة، فتركيا تحتل موقعاً ذا أهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة؛ وإذا تمكنت من حل هذه االقضية، وتطبيق إدارة ديمقراطية وحرّة، ودمجها بتقليد العقد بين الشعوب، فمن يستطيع حينها أن يكون عقبة أمام تركيا؟ تركيا المبنية على الديمقراطية والتحالف الاستراتيجي مع الشعوب ستشهد تطوراً جاداً وكبيراً.
ولكن حالياً، الأحزاب التي تصف نفسها بالقومية -على رأسها حزب الخير (ÎYÎ Partî) وحزب النصر (Zafer Partî) – تترك بصمتها تحت دمار بيئي هائل في تركيا، فالأراضي الزراعية تُحرَق، والكثير من حقول الزيتون تُدمّر نتيجة قوانين التعدين، وهذا التدمير الذي يتم دون إذن الشعب يمتد من تركيا إلى كردستان. فالناس يُجبرون على مغادرة قراهم وموطنهم، ويضطرون إلى النزوح عنها.
فهل القومية التي تلتزم الصمت تجاه كل هذا هي قومية تحب وطنها حقاً، أم أنها ذهنية من الصراع والشوفينية؟ هذا سؤال مهم للغاية وموضوع يستحق كتابة أطنان من الكتب عنه، وهل تحتاج تركيا إلى القومية أم إلى الوطنية؟
فالناس باتوا في وضع لم يعودوا قادرين فيه على التنفس، ولم تعد النساء قادرات على الخروج إلى الشوارع بأمان، وبينما يعيش الناس في فقر ومعاناة، فإن التبجح بالقومية أو القول 'أنا قومي' يصبح أمراً غير مقبول على الإطلاق.
يجب خلق هوية وطنيّة شاملة للجميع في تركيا
ما هو معنى قوميتك؟ هذا موضوع في الواقع يستحق النقاش، فنحن نرى أنه إذا كان من المقرر أن تتطور أخوّة الأتراك والكرد والتحالف الاستراتيجي، فيجب إعادة النقاش في مصطلح القومية، في الآونة الأخيرة، تُثار أيضاً مناقشات حول "هل هي تركية أم تركيا؟". حسناً، فما الفرق؟ على سبيل المثال، لنقيّم البرلمان التركي؛ لماذا يُسمى "تركيا"؟ لأنه تركيا، فهذه الجغرافيا وُصفت وسُمّيت بهذا الشكل قبل مئة عام.
حسناً، ماذا سينقص إذا قيل "شعوب تركيا"؟ وإذا قيل "الشعب الكردي"، ما الذي سيخسره الأتراك أو التركمان أو اللاز أو العرب من هوياتهم؟ لن يخسروا شيئاً، أي أن هوية تركية مفروضة من الأعلى بشكل مصطنع قد تم إنشاؤها، وتم بناء منفعة مصلحية من حولها أيضاً، "وقد اُبتكر ذلك بمقولة "أنا أحب بلدي" بهدف خلق فهم يشمل كل شيء ويعكس الحب لكل ما يتعلق بالوطن، فلا توجد حالة تقسيم فعلية في الميدان، لكن هذا الخطاب ودائرة المنفعة المصلحية المشكلتان من حولهما، شكّلا تقليداً سياسياً.
وإذا كنا على وشك الدخول في مرحلة جديدة، فيجب تقييم هذه العقلية ومناقشتها، ويجب التساؤل: ما نوع قوميتك؟ الغابات تُحرق بشدة؛ شركات التعدين والشركات الخاصة المختلفة والمستفيدون من المنفعة المصلحية يواصلون النهب، فالغابات تتعرض للحرق والقطع في كردستان وفي باقي مناطق تركيا، حيث يُعد شح المياه بمثابة تهديد جاد للغاية، وهذه الكوارث لا تمت بالصلة فقط إلى المشاكل البيئية والمناخية، بل أساسها يقوم على سياسة مصالح ورِبحية.
حسناً، أنت تقول إنك قومي؛ فلماذا لا تمنع ذلك، لماذا لا تطالب بالمساءلة؟ لقد عرضت الحصى والحجارة والجبال والمياه والغابات والحيوانات والبشر والنساء في الأسواق وساومت عليهم، فهل يمكن أن تكون القومية بهذا الشكل؟ لا، لا يمكن، هناك حاجة ضرورية إلى وطنية جادة في تركيا، يجب تكوين هوية وطنية في تركيا تشمل التركمان واللاز والشركس والكرد والعرب والأرمن والسريان والمسيحيين والمسلمين، ويتمسك الجميع ببعضهم البعض ويعيشوا في تكاتف وتآزر.
ولذلك، إن إبرام عقد اجتماعي بين الشعوب قائم على الديمقراطية والحرية شرط لا بدَّ منه، وقد وضع القائد آبو الثقل بشكل مركّز على ذلك في المانيفستو، حيث أنه يجب تعريف العلاقة بين الشعبين الكردي والتركي على أنها علاقة قائمة على حماية وجودهما، ويجب إعادة تصحيحها على أساس ديمقراطي، ففي المائتي عام الماضية، وخاصة في العشر سنوات الأخيرة، لحق ضرر كبير للعلاقات بين الشعبين الكردي والتركي، ووصلت إلى حد الانقطاع تقريباً.
ومن الضروري تحديد نقاط الارتكاز في إعادة تصحيح هذه العلاقة والاجتماع حولها، فبدلاً من العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل 100 عام، برز موقف وعملية جديدة، عندما يتم تقييم هذا الوضع الراهن في سياق رؤية جديدة للقرن والألفية، فالسؤال الجوهري هو: وفقاً لأي تعريف وقرائن سيتم إعادة بناء التحالف الاستراتيجي من جديد؟ هذه مناقشة مهمة جداً وغالباً ما يتم تجاهلها.
يجب ابتكار تعريفات جديدة، فقد أكد القائد آبو ذات مرة: "أنا أعظم وطنّي في تركيا"، وقد تكرر هذا التصريح مرات عدة في سنوات 1993-1994، حسناً، السؤال المطروح: لماذا لا تتم مناقشة هذا التوصيف في تركيا؟ يجب إعادة مناقشة موضوع الوطنّية في تركيا، والديمقراطية الحقيقية في تركيا، وتوصيف الحرية، وإعادة تعريفها من منظور الشعوب، ويمكن لهذا العقد أن يبلغ مستوى مختلفاً بربطه مع الدستور.
فالدستور مهم من حيث تعريف دورالدولة وعلاقة الدولة-المجتمع. لكن العقد الاجتماعي ينسج البنية المجتمعية لهذه العلاقة، لذلك، يجب مناقشة الطريق نحو دستور ديمقراطي من خلال العقد الاجتماعي، أو العقد الديمقراطي، أو الجمهورية الديمقراطية".
من زوايا العالم
من زوايا العالم
من زوايا العالم