بث تجريبي

مخاوف إيرانية من عزلة إضافية بعد سيطرة واشنطن على ممر زنغزور

يشعر الإيرانيون بالقلق من اتفاق السلام الأخير بين أرمينيا وأذربيجان الذي رعته الولايات المتحدة، ونجحت عبره في أن تضع يدها على ممر زنغزور، ما من شأنه أن يطوّق إيران ويحدّ من نفوذها في القوقاز ويعيق وصولها إلى أوروبا عبر أرمينيا.

ويرى مراقبون أن دخول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط التفاهمات بين أرمينيا وأذربيجان كان هدفه بالأساس تأمين مدخل مهم لواشنطن لمحاصرة إيران ضمن إستراتيجية أوسع تشمل قطع الطريق أمام أيّ انفتاح اقتصادي إيراني على الخارج، بما في ذلك تصدير النفط وإعطاء دفعة قوية لمفعول العقوبات الأميركية. كما يتيح لأميركا والناتو الوصول إلى بحر قزوين وتهديد إيران في حال قررت نشر قوات وأسلحة متطورة لمراقبة أنشطتهما العسكرية.

والممر الذي يبلغ طوله 42 كيلومتراً ويمتد بمحاذاة الحدود الإيرانية يُطلق عليه اسم “طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين.” وسيعمل هذا الممر وفقًا للقانون الأرمني، مع إدارة أميركية للأرض المؤجرة لمدة 99 عامًا قابلة للتمديد. ويهدف إلى تعزيز الاتصال البري بين أذربيجان وتركيا، وتوسيع شبكات التجارة الإقليمية.

وكانت إيران، التي تشترك في حدود مع أذربيجان وأرمينيا، تقليديًا جزءًا من طرق العبور بين روسيا وأرمينيا، ما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا. 

وبالإضافة إلى التأسيس للوجود الأميركي على حدود إيران، فإن الاتفاق الجديد يؤمن مكاسب إستراتيجية لأنقرة  بإحياء العالم التركي الذي سيطوق إيران على المدى البعيد. ويصل الممر تركيا بشواطئ أذربيجان على بحر قزوين ومنها إلى آسيا الوسطى ثم إلى الصين. ويمكّنها من وصول غير مقيّد إلى نفط وغاز آسيا الوسطى.

ويشير المراقبون إلى مسألة أخرى وهي أن سيطرة الأميركيين على الممر وقطع طريق إيران إلى أرمينيا والقوقاز وأوروبا سيمثل ضربة لمبادرة الحزام والطريق الصينية لأن إيران دولة محورية في المشروع.

وفي اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان “من الإجراءات المحتملة للولايات المتحدة، التي قد تسعى من خلالها إلى الهيمنة في منطقة القوقاز تحت ستار الاستثمارات الاقتصادية وضمانات السلام” بحسب بيان من طهران.

وتعارض إيران الممر المخطط له، المعروف أيضا باسم ممر زنغزور خوفا من أن يقطع البلاد عن أرمينيا وبقية دول القوقاز ويؤدي إلى نشر قوات أجنبية معادية قرب حدودها.

وقال بزشكيان إن إيران “ترحب بأيّ اتفاق من شأنه تعزيز السلام” بين الدول المجاورة لكنه أكد ضرورة منع “تدخل أيّ قوة عسكرية أو أمنية” في تنفيذ مشروع الممر، بحسب بيان صادر عن مكتبه.

والسبت، صرّح مستشار كبير للمرشد الأعلى الإيراني بأن طهران لن تسمح بإنشاء الممر محذرا من أن المنطقة ستتحول إلى “مقبرة لمرتزقة ترامب.”

وسيمتد طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي عبر جنوب أرمينيا، ما يتيح لأذربيجان الوصول المباشر إلى جيب ناخيتشفان التابع لها ومن ثم تركيا. وستحصل الولايات المتحدة على حقوق تطوير حصرية للممر الذي قال البيت الأبيض إنه سيسهل زيادة صادرات الطاقة وغيرها من الموارد.

ولم يتضح بعد كيف ستمنع إيران، التي تقع على حدود المنطقة، المشروع، لكن تصريح علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري الزعيم الأعلى الإيراني، أثار شكوكا حول أمنه.

وقال ولايتي إن المناورات العسكرية التي أجريت في شمال غرب إيران أظهرت استعداد الجمهورية الإسلامية وتصميمها على منع أيّ تغييرات جيوسياسية. وقال “هذا الممر لن يصبح ممرا مملوكا لترامب، بل مقبرة لمرتزقة ترامب.”

وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد رحبت في وقت سابق بالاتفاق “كخطوة مهمة نحو سلام إقليمي دائم،” لكنها حذرت من أن أيّ تدخل أجنبي بالقرب من حدودها يمكن أن “يقوض أمن المنطقة واستقرارها الدائم.”

ويقول محللون ومصادر مطلعة إن إيران، التي تتعرض لضغوط أميركية متزايدة بسبب برنامجها النووي وعواقب الحرب التي دامت 12 يوما مع إسرائيل في يونيو الماضي، تفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة لإغلاق الممر.

واستقبل ترامب الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان في البيت الأبيض الجمعة، وشهد توقيع الطرفين على إعلان مشترك يهدف إلى وضع حد لصراعهما المستمر منذ عقود.

ولم تنضم روسيا إلى الاجتماع رغم تمركز حرس حدودها على الحدود بين أرمينيا وإيران. وروسيا هي الوسيط التقليدي وحليف أرمينيا في منطقة جنوب القوقاز التي تتقاطع فيها أنابيب نفط وغاز.

وكانت موسكو قد أعلنت دعمها للقمة لكنها اقترحت “تطبيق حلول وضعتها دول المنطقة نفسها بدعم من جيرانها المباشرين روسيا وإيران وتركيا” لتجنب ما تطلق عليها “التجربة المؤسفة” للجهود الغربية للتوسط في الشرق الأوسط.

وظهر الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان في أواخر الثمانينات عندما انشقت منطقة ناغورني قره باغ عن أذربيجان بدعم من أرمينيا. وناغورني قره باغ منطقة جبلية في أذربيجان أغلبية سكانها من الأرمن.

واستعادت أذربيجان السيطرة الكاملة على المنطقة في عام 2023 في هجوم عسكري، ما دفع جميع الأرمن المتبقين في الإقليم البالغ عددهم 100 ألف تقريبا إلى الفرار إلى أرمينيا. وقال إلين سليمانوف سفير أذربيجان لدى بريطانيا “لقد طُوي ملف العداء ونحن الآن نتجه نحو سلام دائم،” وتوقع أن يشهد ازدهار المنطقة وروابط النقل فيها تحولا إيجابيا.

ودعا باشينيان هذا العام إلى إجراء استفتاء لتغيير الدستور، ولكن لم يتم تحديد موعد له حتى الآن. ومن المقرر أن تجري أرمينيا انتخابات برلمانية في يونيو 2026، ومن المتوقع صياغة الدستور الجديد قبل التصويت.

وقال الزعيم الأرمني على إكس إن قمة واشنطن ستمهد الطريق لإنهاء عقود من الصراع وتسمح بتشغيل خطوط النقل في المنطقة التي قال إنها ستتيح فرصا اقتصادية إستراتيجية. وقال جوشوا كوسيرا كبير محللي جنوب القوقاز في مجموعة الأزمات الدولية إن قمة واشنطن لم تكن الفوز السهل الذي ربما كان يأمله ترامب إذ تركت الاتفاقيات العديد من الأسئلة دون إجابة.

قد يهمك