رصد تقرير لوكالة فرات للأنباء مخاوف بعض المراقبين لعملية السلام في تركيا من التداعيات والانعكاسات السلبية لحالة التباطؤ الكبيرة التي يشهداه النظام التركي في الاستجابة لنداء السلام والمجتمع الديمقراطي الذي أطلقه القائد عبدالله أوجلان.
حسب التقرير، فإنه رغم ما أبداه حزب العمال الكردستاني من خطوات غير مسبوقة في إطار الاستجابة لنداء القائد عبدالله أوجلان للسلام، بدءاً من إعلان التخلي عن الكفاح المسلح، وصولاً إلى إحراق السلاح في فعالية رمزية بمدينة السليمانية، فإن الموقف التركي لا يزال يراوح بين الإنكار والتصعيد، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول نوايا النظام التركي حيال أي حل سلمي شامل للقضية الكردية.
ففي الأيام القليلة الماضية، شنّت تركيا هجوماً جديداً استهدف أحد عناصر الحزب في جنوب كردستان (شمال العراق)، متجاهلة بذلك الأجواء الإيجابية التي خلقتها مبادرات الحزب، والأهم من ذلك ما أكدته أنقرة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان برفضها تطبيق "حق الأمل" للمحكومين بالمؤبد، وفي مقدمتهم القائد عبدالله أوجلان، وهو الحق الذي يعني توفير أفق قانوني للمراجعة وإمكانية الإفراج مستقبلاً.
قناعات لم تتغير؟
هذا السلوك الرسمي التركي يكشف أن الحكومة لا تزال تتعامل مع القضية الكردية من منطلق أمني وعسكري بحت، متجاهلة التحولات الفكرية والسياسية التي طرأت على الحركة الكردية منذ سنوات، كما تتجاهل النداء الواضح من القائد عبدالله أوجلان بضرورة بناء "أمة ديمقراطية" تتجاوز مفاهيم الدولة القومية الصلبة والإقصاء العرقي والثقافي.
إن موقف أنقرة يبدو كما لو كان إجهاضاً متعمداً لفرص السلام، ويعكس عدم رغبة حقيقية في إنهاء حالة الحرب المستمرة منذ عقود؛ فبدلاً من التقاط الإشارات السياسية الواضحة من الحزب ومناصريه، تُمعن الدولة التركية في استخدام لغة الحديد والنار، وفي فرض العزلة السياسية والقانونية على من يمثلون صوتاً للسلام. وحتى ما تتخذه من خطوات يأتي بطيئاً للغاية.
في هذا السياق، يقول شرفان مسلم الرئيس المشترك لجامعة كوباني إن حزب العمال الكردستاني قاتل من أجل بناء مجتمع ديمقراطي، والآن يثبت أنه مستعد لإلقاء السلاح لبناء هذا المجتمع الديمقراطي عبر السلام، مشدداً على أن الدولة التركية على عاتقها الآن اتخاذ خطوات فعلية للانضمام إلى هذه المبادرة بشكل جدي.
ويرى شرفان مسلم أن الدولة التركية تعيش تناقضات داخلية، فهناك من يرى أن الاستجابة لنداء السلام إضعاف للدولة وهزيمة لها، ومن أجل الحفاظ على مشاعر القوميين المتطرفين داخل الدولة لم يظهر بيان علني من قبلها بالانضمام للمبادرة، إلا أنه يرى أن الفترة المقبلة ربما تشهد بعض المبادرات وخاصة من قبل البرلمان كتغيير بعض القوانين التي تقيد الحريات.
وأعرب عن قناعته بأن القائد أوجلان أو حزب العمال الكردستاني سيقبلان بالمضي قدماً في خطوات أخرى ما لم تتخذ الدولة في المقابل إجراءات أو خطوات تجعل المبادرة في المسار الصحيح، مشيراً إلى أن التباطؤ من قبل النظام سببه مراعاة توجهات بعض القوميين المتطرفين في الدولة التركية، كما شدد على أنه دون نجاح هذه العملية بشكل فعلي وإلا ستتجه المنطقة برمتها إلى حرب طاحنة طويلة الأمد.
مخاوف من انعدام الثقة
إن تجاهل المبادرات الأحادية الجانب من الحركة الكردية، بما في ذلك تخليها عن السلاح، لا يفتح الباب فقط أمام انعدام الثقة، بل يُهدد بانهيار أي مسار مستقبلي لحل سياسي شامل. ومع استمرار خطاب التخوين والتحريض، تبدو أنقرة وكأنها تضيّع فرصة تاريخية لصياغة عقد اجتماعي جديد يُنهي الصراع المزمن ويؤسس لمستقبل من التعددية والديمقراطية الحقيقية.
يقول طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية إنه لا يمكن بناء سلام حقيقي في ظل إنكار الآخر، ولا يمكن الحديث عن مصالحة وطنية دون اعتراف متبادل وفتح قنوات سياسية وقانونية تتيح مشاركة كافة مكونات الشعب التركي، وفي مقدمتها الشعب الكردي، في رسم مستقبل البلاد بعيداً عن السجون والمدافع.
وشدد خبير العلاقات الدولية على أن الجميع مطالب من أجل السلام باتخاذ خطوات لبناء الثقة، وقد قدم الكرد خطوات جيدة، وهنا لا بد من النظر في البيئة القانونية والدستورية داخل تركيا؛ فمن أحرقوا سلاحهم لإثبات حسن النوايا إذا لم يجدوا مقابلاً، ويتم دمجهم مرة أخرى في المجتمع ضمن إطار يضمن لهم حقوقهم قد يفكرون في العودة مرة أخرى إلى الجبال ويحملون السلاح مجدداً.
في ضوء ما سبق، فإن الكرة لا تزال في ملعب النظام التركي، الذي يملك فرصة نادرة لإثبات التزامه بالسلام والديمقراطية عبر خطوات جادة وملموسة، تبدأ برفع العزلة عن القائد عبدالله أوجلان والاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للكرد. فالمراوحة في مربع العنف لن تجلب إلا المزيد من التوتر، بينما الحوار والانفتاح يشكّلان الطريق الوحيد نحو حل دائم وعادل.
من زوايا العالم