بث تجريبي

جثمان لم تمسه الأرض.. صحفي سوداني يروي واقعة مؤثرة عند نبش قبر ابنه الشهيد غسان

روى الصحفي السوداني أحمد الأمين تفاصيل واقعة مؤثرة عاشها بنفسه عند نبش جثمان نجله الشهيد غسان، حيث فوجئ بخروج الجثمان من القبر كما دُفن تماماً، دون أن تنال منه عوامل الطبيعة أو مرور الزمن.

وأكد أن الجسد بدا سليماً بشكل لافت، بينما ظلت قطعة القماش التي لُفّ بها كما لو أنها أُنزِلت للتو من حبل الغسيل.

وأوضح الأمين أن الحاضرين كانوا يتوقعون رائحة التحلل المعتادة، إلا أن المكان امتلأ بعطر مدهش وصفه بأنه مزيج من الكافور والمسك، وهو ما ترك أثراً عميقاً في نفوس الجميع، وعزّز شعوراً باليقين والسكينة. وأضاف أنه انتظر ثلاثة أيام كاملة قبل الإعلان عمّا حدث، محاولاً استيعاب الصدمة واستجماع المعنى.

تكبير ودموع وفرح مهيب

وأشار أحمد الأمين إلى أن إخراج جثمان غسان بهذه الهيئة قلب المشهد رأساً على عقب، حيث علت أصوات التهليل والتكبير، وتحول بكاء النسوة إلى فرح ممتزج بالدموع والدعاء.

وأوضح أن مراسم إعادة التكفين أظهرت الجثمان وكأنه لشخص فارق الحياة للتو، لا لشهيد مضت على دفنه شهور، مؤكداً أن الواقعة ما زالت حديث المدينة، ويتناقل تفاصيلها كل من شهد اللحظة أو سمع بها.

مواساة ومحاضرة دينية مؤثرة

ووجّه الأمين شكره لكل من شارك بالحضور أو تواصل هاتفياً لمواساته، مخصّصاً شكراً للأستاذ عبد الرحيم حسب الرسول، المحامي، الذي قدّم محاضرة دينية عميقة تناولت هذه الظاهرة من منظور شرعي، مستنداً إلى القرآن والسنة والمراجع المعتبرة. وأشار إلى أن المحاضر لم يتمالك دموعه، واختتم حديثه بأدعية مأثورة للشهداء ولأسرهم بالصبر والسلوان.

بداية الحكاية.. من هو غسان؟

غسان أحمد الأمين بخيت، شاب سوداني استشهد في 29 يناير الماضي بعد إصابته بطلق ناري في الرأس أُطلق عليه من الخلف بحي الشعبية في مدينة بحري. ووفقاً لإفادات أسرته، كان غسان يقيم طوال أشهر الحرب في منزل العائلة بديوم بحري، مرافقاً لوالدته المريضة بالقلب وشقيقاته، بينما كان والده يتلقى العلاج في القاهرة.

وخلال تلك الفترة، اعتاد غسان التنقل بدراجته الهوائية بين ديوم بحري وحي الشعبية لتفقد خالته وخاله المسنين، في ظل انقطاع الاتصالات وصعوبة الحركة، متحملاً مخاطر الوضع الأمني المضطرب.

يوم الاستشهاد

في يوم الحادثة، غادر غسان منزله بعد سماعه بوصول الجيش إلى حي الشعبية، وأبلغ والدته بأنه ذاهب للاطمئنان على أقاربه، لكنه لم يعد. ومع حلول المساء، بدأت الأسرة البحث عنه، قبل أن تتلقى في صباح اليوم التالي نبأ مقتله قرب بقالة “الأسد” في الحي. وأفادت والدته لاحقاً بأن عناصر الارتكاز أقروا بإطلاق النار عليه بدعوى الاشتباه، ثم عبّروا عن أسفهم لما جرى.

سيرة طيبة وأثر باقٍ

كان غسان معروفاً بين سكان بحري بحسن السيرة وهدوء الطبع، ومشاركته الدائمة في الأنشطة الاجتماعية والرياضية، وارتباطه بنادي الاتحاد البحراوي.

وظل اسمه يتردد بين الأهالي كشاب خلوق ترك أثراً إنسانياً عميقاً في محيطه الاجتماعي قبل أن يرحل شهيداً، لتتحول قصته إلى رمز للفقد والصبر وسط مآسي الحرب.

تأتي هذه الواقعة في ظل استمرار الحرب في السودان، وما خلفته من مآسٍ إنسانية وفقدان واسع للأرواح، حيث باتت قصص الشهداء جزءاً من الذاكرة اليومية للمدن المتأثرة بالنزاع، وسط مطالبات متزايدة بالمحاسبة وحماية المدنيين.

 

قد يهمك