يشهد العراق تصاعداً لافتاً في جرائم الابتزاز الإلكتروني التي تستهدف النساء، مدفوعة بتداخل عوامل اجتماعية وتقنية وضعف الوعي والحماية القانونية، ما يخلق بيئة مواتية لانتشار هذه الممارسات الإجرامية.
يعتبر تفاقم هذه الجرائم من التهديدات الموجهة للأمن النفسي والاجتماعي للضحايا، مستغلة الخوف من الوصمة والضغط المجتمعي الذي يدفع كثيرات إلى الصمت.
فبين الصور الخاصة والرسائل الشخصية المخزّنة على الحسابات الرقمية، تجد كثير من النساء أنفسهن أمام سلاح يستخدمه المبتزون لتحقيق مكاسب مالية أو فرض سيطرة مستمرة، مستفيدين من ضعف الوعي الأمني الرقمي والقيود الاجتماعية التي تمنع الكثيرات من الإبلاغ.
شهد العام 2025 تنفيذ حملات أمنية موسعة لملاحقة مرتكبي جرائم الابتزاز الإلكتروني. ووفق بيان رسمي، نفّذ جهاز الأمن الوطني حملة على مدى ثلاثة أشهر أسفرت عن اعتقال 40 متهماً في عشر محافظات، بعد متابعة الشكاوى المقدمة عبر المنصات الرسمية والحصول على الموافقات القضائية.
ورغم هذه الجهود، يرى خبراء أن الجريمة “تتطور في حجمها وأساليبها”، ما يتطلب تحديث التشريعات وتزويد الأجهزة الأمنية بأدوات متقدمة للتتبع الرقمي.
تزداد خطورة الظاهرة بسبب الخوف العميق من الفضيحة، الذي يدفع النساء للصمت أو محاولة حل المشكلة سراً، ما يمنح المجرمين مساحة أكبر للاستمرار. كما أن بطء الإجراءات القانونية والثغرات القضائية يسمح للمبتزين بالتنقل بين الحسابات والمنصات بل وحتى الاحتماء بالأعراف العشائرية، مما يعرقل الوصول للعدالة ويزيد من عدد الضحايا.
أوضحت الخبيرة القانونية علياء الحسني أن القانون الجنائي العراقي يعاقب على الابتزاز بموجب المادتين 430 و431، المادة 430: السجن حتى 7 سنوات إذا تسبب الابتزاز بضرر فعلي، المادة 431، عقوبة سجن سنة واحدة إذا اقتصر الابتزاز على التهديد دون وقوع ضرر.
وأشارت إلى أن مسودة قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية تتضمن عقوبات تتراوح بين سنة وخمس سنوات، لكنها لم تُقر رسمياً حتى الآن، مؤكدة الحاجة إلى تحديث قوانين أكثر وضوحاً وصرامة.
وأبرزت الحسني جوانب القصور في مواجهة الجريمة، ضعف القدرة التقنية على تعقب المبتزين، حذف المحتوى أو الحساب قبل ضبطه.
صعوبة إثبات ملكية الحساب، استخدام الـVPN وبرامج التشفير،الاعتماد على أرقام أجنبية أو غير مسجلة.
غياب الأدلة الرقمية الكافية يدفع بعض القضاة لإغلاق الدعاوى، ما يشعر المبتزّ بالأمان ويشجعه على التمادي.
خشية نشر الصور والبيانات الخاصة، ضغط اجتماعي وخوف من العيب والفضيحة،دفع مبالغ مالية لتجنب الفضيحة، مما يفاقم الابتزاز.
وبيّنت الحسني أن الشرطة المجتمعية تلعب دوراً توعوياً، لكنها ليست جهة تنفيذية، مؤكدة أن نجاح القضايا يعتمد على شجاعة الضحايا وقدرتهن على التبليغ.
من جهتها، أكدت الصحفية والناشطة نور النعيمي أن المشكلة اجتماعية وتقنية في آن واحد، مشيرةً إلى أن ضعف الوعي الرقمي لدى النساء يجعل الحسابات عرضة للاختراق أو سوء الاستخدام.
وقالت النعيمي إن “ثقافة العيب والخوف من الفضيحة” تمنع كثيراً من العائلات من التبليغ، ما يدفع الضحايا للخضوع للمبتزّ بدل مواجهته قانونياً، مما يساعد على انتشار الظاهرة وتطورها.
وأضافت أن المبتزّ غالباً يهدد بنشر صور شخصية أو معلومات خاصة، مما يدفع النساء للدفع أو الرضوخ. وتابعت:
“القوانين الحالية وجهود الشرطة المجتمعية مهمة، لكنها غير كافية لردع الجريمة. نحن بحاجة إلى تشريعات صارمة وتعاون أكبر بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني.”
وأكدت أنها تعمل كصحفية وناشطة على تقديم التوعية والمشورة للنساء، للمساهمة في الحد من انتشار الابتزاز الإلكتروني.
تتطلب مواجهة هذه الظاهرة جهوداً متكاملة تشمل، تطوير أدوات التتبع الرقمي.
تحديث التشريعات لتدارك الثغرات القانونية.نشر الوعي الرقمي بين النساء،دعم ثقافة التبليغ دون خوف، تعزيز دور الصحفيين والمنظمات المدنية في كسر حاجز الصمت.
ورغم التحديات، يبقى الأمل قائماً في بناء بيئة رقمية آمنة للنساء، تضمن لهن حياة خالية من الخوف والابتزاز، وتُحاكم الجناة وفق القانون.
يشهد العراق في السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لاستخدام التكنولوجيا، بالتزامن مع ضعف البنية القانونية والتقنية، ما جعل النساء هدفاً سهلاً لجرائم الابتزاز الممنهجة. ومع محدودية القدرة على التتبع الرقمي والبنية الاجتماعية المحافظة، تحولت هذه الجريمة إلى تهديد متصاعد يستلزم تحركاً وطنياً شاملاً.