مع تصاعد حاجة الولايات المتحدة إلى المعادن الحيوية المستخدمة في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية المتقدمة، برزت ولاية ألاسكا كمسرح جديد لسباق تعدين من نوع مختلف، ليس بحثًا عن الذهب كما في الماضي، بل عن معدن أكثر أهمية اليوم هو "الأنتمون" (Antimony)، الذي أصبح محورًا للتنافس الاقتصادي بين واشنطن وبكين.
في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال بعنوان "اندفاع تعدين جديد في ألاسكا نحو موارد أغلى من الذهب"، كشفت الصحيفة أن شركات التعدين الأمريكية والغربية تتسابق حاليًا لاستكشاف رواسب "الأنتمون" في ألاسكا، وهو معدن نادر يُستخدم في تصنيع الذخائر والرصاص المقوى والمعدات العسكرية الحساسة.
وفي أحد مواقع التعدين شمال الولاية، وقف الجيولوجي الأمريكي رود بلاكستاد أمام صخرة من الكوارتز اللامع، ثم رماها جانبًا قائلًا: "لو كنا نبحث عن الذهب لكنا الآن نحتفل.. لكن ما نريده أهم من ذلك بكثير".
حتى وقت قريب، كان المنقبون الأمريكيون يعتبرون "الأنتمون" ناتجًا ثانويًا عديم القيمة أثناء استخراج الذهب، لكن هذا تغيّر بعد أن فرضت الصين قيودًا على تصدير المعادن الحيوية ضمن إجراءاتها في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، ما تسبب في ارتفاع أسعار الأنتمون إلى أربعة أضعاف خلال عامين.
ومع هيمنة الصين على نحو 60% من الإنتاج العالمي، وتوريد الباقي من روسيا وطاجيكستان وميانمار، وجدت واشنطن نفسها أمام أزمة في تأمين احتياجاتها من هذا المعدن الإستراتيجي، خصوصًا مع تزايد استهلاك الذخائر في الحربين الدائرتين في غزة وأوكرانيا.
ورغم إعلان البيت الأبيض في أكتوبر الماضي تمديد فترة "التهدئة التجارية" مع الصين عامًا إضافيًا، فإن بكين لم تؤكد رسميًا استئناف تصدير الأنتمون، ما يجعل تعافي الإمدادات العالمية مستبعدًا في المدى القريب.
ويُنظر إلى "الأنتمون" اليوم باعتباره اختبارًا لقدرة الولايات المتحدة على إعادة بناء سلاسل الإمداد الإستراتيجية بعد عقود من الاعتماد على الخارج، إذ بدأت شركات أمريكية في إعادة تشغيل مناجم قديمة في ألاسكا وأيداهو لم تُستخدم منذ أربعين عامًا.
وفي هذا السياق، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) 43 مليون دولار لدعم مشروع لاستخراج الأنتمون في ألاسكا، كما منحت شركة "أميركان أنتموني" عقدًا بقيمة 245 مليون دولار لتوريد المعدن للمخزون الدفاعي الإستراتيجي.
وتواجه الشركة تحديات كبيرة في تأمين الخام داخل الأراضي الأمريكية بعد توقف عملياتها في المكسيك العام الماضي لأسباب أمنية، ما دفعها إلى التركيز على التنقيب في ألاسكا، حيث حصلت على حقوق استغلال مناجم قرب مدينة فيربانكس، وسط مؤشرات قوية على وجود رواسب واعدة من المعدن في مناطق كانت تشتهر سابقًا بتعدين الذهب.
بهذا، يبدو أن الاندفاع الجديد في ألاسكا لا يتعلق بالذهب هذه المرة، بل بمعدن استراتيجي قد يحدد مستقبل الاستقلال الصناعي الأمريكي في مواجهة الهيمنة المعدنية الصينية.
فضاءات الفكر
منبر الرأي
من زوايا العالم