نظم مركز آتون للدراسات في العاصمة المصرية القاهرة مساء أمس الأربعاء 5 أكتوبر حلقة نقاشية جديدة حول كتاب “الإمبراطورية الأخيرة.. انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال الوثائق الأمريكية”، وهو من تأليف الباحث الأوكراني الدكتور سيرجي بلوخي، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، وترجمه إلى اللغة العربية عن اللغة الروسية الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشؤون الروسية.
يتناول الكتاب، الذي أنجز بدعم من قسم التاريخ في جامعة هارفارد الأمريكية، الشهور الستة الأخيرة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، مستنداً إلى وثائق رسمية أمريكية وأوراق خاصة تعود إلى رموز الإدارة الأمريكية آنذاك، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب.
وقد شارك في هذه الحلقة النقاشية مترجم الكتاب وخبير الشؤون الروسية الدكتور نبيل رشوان، فيما قدم الحلقة الكاتب الصحفي خالد محمود، الذي أشار إلى أهمية العمل في كشف كواليس مرحلة محورية من التاريخ المعاصر من خلال رؤية أمريكية مدعومة بالوثائق.
عن الكتاب
وفي مستهل الحلقة النقاشية، أكد الكاتب الصحفي خالد محمود أهمية كتاب “الإمبراطورية الأخيرة.. انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال الوثائق الأمريكية”، والذي قال إن الكتاب يقدم طرحاً مغايراً للسرديات المعتادة حول سقوط الاتحاد السوفيتي، موضحاً أن المتعارف عليه ربط انهيار الاتحاد السوفيتي بأسباب اقتصادية أو سباق التسلح أو حتى بانتفاضات شعبية داخلية، غير أن الكتاب يقدّم رؤية مختلفة.
وأضاف أن الكتاب يتناول الاتحاد السوفيتي بوصفه “إمبراطورية” شأنه شأن الإمبراطوريتين العثمانية والرومانية، ويرى أن انهياره تم من “أعلى إلى أسفل” لا العكس، منوهاً إلى أن المؤلف الأوكراني الدكتور سيرجي بلوخي يرى أن تفكك الاتحاد لم يكن نتيجة ثورة شعبية أو ضغوط خارجية، بل بدأ من مركز السلطة نفسه في موسكو، حيث أدى تغوّل “المركز الإمبراطوري” على الجمهوريات السوفيتية وضم مناطق مستقلة سابقاً – مثل جمهوريات البلطيق – إلى زعزعة توازن الكيان الاتحادي وانهياره في نهاية المطاف.
وأشار “محمود” إلى أن الكتاب لا يعزو سقوط الاتحاد السوفيتي إلى فشل الأيديولوجيا الشيوعية أو الأوضاع الاقتصادية فحسب، بل يركّز على البنية الإمبراطورية ذاتها باعتبارها السبب الجوهري في انهياره، وهو ما يجعل العمل إضافة نوعية لفهم تلك الحقبة المفصلية في التاريخ المعاصر.
صورة معمقة حول انهيار الاتحاد السوفيتي
عقب ذلك انتقلت الكلمة إلى الدكتور نبيل رشوان مترجم الكتاب، الذي أعرب عن سعادته لمناقشة الكتاب واستضافة مركز آتون للدراسات لهذه الحلقة النقاشية. وبشأن الكتاب قال “رشوان” إنه يقدم صورة معمقة حول الأسباب الحقيقية لانهيار الاتحاد السوفيتي، موضحاً أن ما حدث يمثل حالة استثنائية في تاريخ الإمبراطوريات التي اعتادت الانهيار من الأطراف، بينما نجد أن الاتحاد السوفيتي انهار من المركز نفسه.
وأوضح “رشوان” أن من بين الأسباب الجوهرية لذلك الانهيار طبيعة السلطة داخل الاتحاد السوفيتي، إذ كان الرئيس ميخائيل غورباتشوف منتخباً حزبياً لا شعبياً، وهو ما جعل موقعه السياسي هشاً في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة. كما أشار إلى أن رغبة بعض الجمهوريات السوفيتية الكبرى مثل أوكرانيا وبيلاروسيا في التحرر من قبضة المركز في موسكو لعبت دوراً حاسماً في تسريع عملية الانفصال وتفكك المنظومة الاتحادية.
ويقول مترجم الكتاب إن الولايات المتحدة تابعت تلك التطورات بقلق، لا بهدف إسقاط الاتحاد السوفيتي كما قد يُروَّج، بل خوفاً من تفككه إلى عدة دول نووية، وهو ما كان سيخلق أزمة عالمية خطيرة، مشيراً إلى أن الكتاب يؤكد أن واشنطن لم تتورط في العمل على تفكيك الاتحاد السوفيتي، بل كانت تخشى من التعامل مع أربع دول تمتلك السلاح النووي كانوا ضمن الاتحاد بدلاً من دولة واحدة.
وبيّن “رشوان” أن الرئيس غورباتشوف نفسه كان يخشى اندلاع نزاع داخلي بين الدول السوفيتية السابقة، خاصة إذا تحوّل إلى مواجهة بين قوى نووية، ولذلك حاول الحفاظ على الاتحاد بأي شكل ممكن حفاظاً على الاستقرار العالمي وموقع سلطته.
وأشار مترجم الكتاب إلى أن العوامل الاقتصادية كانت من أبرز أسباب التدهور، موضحاً كذلك أن زيادة إنتاج السعودية للنفط آنذاك أدت إلى انخفاض أسعاره عالمياً، وهو ما فاقم الأزمة المالية داخل الاتحاد السوفيتي الذي كان يعتمد بدرجة كبيرة على صادراته النفطية.
وختم “رشوان” حديثه بتأكيد أهمية هذا الكتاب كونه يأتي برؤية مغايرة لكثير من التحليلات، مجدداً الإشادة بمبادرة مركز آتون لتنظيم الحلقة النقاشية، وموجهاً الشكر للكاتب الصحفي خالد محمود الذي قدّم الحلقة، وما أبرزه حول أهمية الكتاب ومضمونه، لافتاً إلى أن العمل يمثل إضافة فكرية مهمة لفهم آليات سقوط الإمبراطوريات في العصر الحديث من منظور وثائقي وتاريخي دقيق.
وفي ختام الحلقة النقاشية، فُتح باب النقاش أمام الحضور الذين قدّموا مداخلات ثرية حول محتوى الكتاب وتحليل مراحله التاريخية، حيث تطرّقت المشاركات إلى أوجه الشبه بين انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط إمبراطوريات أخرى في التاريخ، إضافة إلى تساؤلات حول انعكاسات تلك التجربة على الواقع الدولي الراهن. وقد عبّر المشاركون عن تقديرهم لأهمية الحلقة وعمق الطرح الذي قدّمه المتحدثون.
