بث تجريبي

طريق الحرير القطبي هل سيذيب التوازنات القديمة

 أهمية متسارعة للقطب الشمالي 

بدأ إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالقطب الشمالي يتعزز خلال الحرب العالمية الثانية ولاحقا إبان الحرب الباردة لأسباب يغلب عليها الجانب الأمني رغم أن أمريكا أصبحت دولة قطبية قبل هذا التاريخ بقرن حين إشترت سنة 1867 ولاية ألاسكا من الإمبراطورية الروسية وتكلل هذا الإهتمام بصدور أوّل سياسة أمريكية تجاه المنطقة القطبية عام 1971 إبان حكم الرئيس ريتشارد نيكسون نصت على ثلاث مجالات وهي حماية المصالح الأمريكيةوتقليل المخاطر البيئية وتعزيز التعاون الدولي .

وفي سنة 1984 أصدر الكنغرس الأمريكي قانون سياسة القطب الشمالي الذي أعاد التركيز على سياسة نيكسون القطبية إضافة إلى المصالح الإقتصادية التي إقتصرت على صيد الأسماك .

وعلى مدار العقدين اللاحقين كانت سياسة أمريكا القطبية تركّز بشكل أكبر على القضايا البيئية والعلمية ومراقبة التطورات المناخية في المنطقة وصياغة أطر التعاون مع دول القطب الشمالي 

تغير كل شيء على وقع تطورين حاسمين بداية من عام 2013  

أوّلهما إنضمام الصين كدولة مراقب بمجلس القطب الشمالي وهي هيئة تنسيق دولية تضم في عضويتها الدول الثماني التي تمتلك أراضٍ داخل الدائرة القطبية الشمالية وهي كندا، روسيا، النرويج ،الدنمارك، السويد ،فنلندا وأيسلندا في علامة واضحة أن بيكين بدأت تتطلع للمنطقة القطبية.

أما التطور الثاني فهو إعلان روسيا إنشاء القيادة الإستراتيجية المشتركة لأسطول الشمال الروسي عام 2014 وهو إعلان جاء مصحوبا بتعزيز موسكو لوجودها العسكري عبر شبكة من القواعد العسكرية على طول حدودها القطبية لحماية ممرات الشحن الجديدة التي خلّفها ذوبان الجليد للمناطق القطبية وهو ما ردت عليه واشنطن بإصدار أول سياسية قطبية تركز على مصالحها الأمنية منذ الحرب الباردة

فهي تعتزم توسيع إستعدادها

العسكري ومراقبتها لمنطقة القطب الشمالي .وعلى ضوء الإهتمام المتزايد للصين وروسيا بالمنطقة إلى جانب مخاطر جديدة ناجمة عن تسارع تغير المناخ

فحسب ما أوردته بلومبرغ عن وكالة البيئة فإن وزارة الدفاع الأمريكية البنتغاون في تقريرها بشأن استراتيجية القطب الشمالي لعام 2024 قررت إتخاذ تدابير تضمن أن لا يصبح القطب الشمالي منطقة إستراتيجية محجوبة لأن ذوبان الجليد يجعل الوصول إلى المنطقة أكثر سهولة إقتصاديا وعسكريا

وتشمل الأولويات تحسين مراقبة المنطقة الشاسعة فضلا عن الأبحاث المتعلقة بأنظمة التحذير من الصواريخ الفضائية وتعميق التنسيق مع حلف شمال الأطلسي الناتو ومع كندا من خلال قيادة الدفاع الجوي لامريكا الشمالية وتحسين إتصالات الأقمار الصناعية والبيانات. 

 عزل موسكو وحلفائها

كان الغزو الروسي لأوكرانياسببا في عزل موسكو عن الدول التي تحيط بالقطب الشمالي وجميعها الآن أعضاء في حلف الناتو مما جعلها أكثر إعتمادا على الصين التي تسعى لتحقيق أجندتها الخاصة في المنطقة 

على الرغم من أنها ليست دولة في القطب الشمالي فهي تسعى جاهدة لإكتساب النفوذ والوصول إلى لعب دور أكبر في الحكم الإقليمي فقد أشارت تقارير من البنتاغون أن بكين تشغل 3 كاسحات جليد في المنطقة لإجراء أبحاث مدنية وعسكرية 

مزدوجة وإختبرت مركبات مسيرة تحت الماء وطائرات يمكنها التحليق في المنطقة القطبية ولفتت وكالة بلومبرغ أن درجة حرارة منطقة القطب الشمالي ترتفع بمعدل أكثر أربع مرات من أي منطقة أخرى على وجه الأرض مايوفر فرصة للبلدان المطلة على سواحل القطب الشمالي لإستغلال الموارد المعدنية وموارد الطاقة

و ستتطور الأهمية الإستراتيجية للمنطقة من ذوبان الجليد البحري ما يعني أن مضيق "بيرينج"بين ألاسكا وروسيا وبحر "بارنتش" شمال النرويج أصبحا أكثر قابلية للملاحة وأكثر أهمية إقتصاديا وعسكريا

وحسب البنتاغون فلروسيا مسار واضح للوصول إلى الأراضي الأمريكية عبر القطب الشمالي ويمكنها من إستخدام قدراتها هناك لمنع الولايات المتحدة الأمريكية من الإستجابة لأزمات أوروبا أو منطقة المحيطين الهندي والهادي فبنيتها التحتية البحرية يمكن أن تسمح لها أيضا بالسيطرة على طريق بحر الشمال حتى في المناطق التي ليس فيها اي مطالبات قانونية بالسيادة.

الأمن القومي قبل البيئة 

ويواصل الجيش الأمريكي تحسين العلاقات العملياتية مع الدول الحليفة والشريكة من خلال التدريبات المشتركة فقد أدت المصالح الإستراتيجية لروسيا والصين والأنشطة المتزايدة في المنطقة إلى زيادة مشاركة دول الناتو في التدريبات العسكرية عبر منطقة القطب الشمالي

قال مايكل والش إنه تحول جذري إنهم يؤطرون كل شيء من منظور الأمن القومي 

وبدل التركيز على علوم المناخ والبيئة يبدو أن إدارة ترامب تحول جهود البحث نحو المصالح العسكرية

كل هذه التحركات في القطب الشمالي سيؤدي إلى ذوبان الجليد الذي سيكون كارثة بيئية على العالم بإرتفاع منسوب المياه البحار بنسبة قد تصل إلى سبعة أمتارذلك أن أجزاء كبيرة من الشواطئ والجزر قد تغمرها المياه

  تحالف صيني روسي تجاري عسكري بأجندة سياسية

إتفقت روسيا والصين على تشجيع التعاون الصيني الروسي بزيادة حجم المرور عبر طريق الحرير القطبي وبناء البنية التحتية اللوجستية على طوله وتعميق التعاون التكنولوجي وبناء السفن القطبية 

ويعد هذا الممر الملاحي أقصر طريق يربط بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا والأمريكيتين حيث توفر السفن نحو40%من وقت الرحلة عبر المرور من قناة السويس أو قناة بنما حيث ستنخفض مسافة النقل بين شرق آسيا وأوروبا إلى 22يوم مما يقلل من مدة الرحلة بنحو 13يوم مقارنة بقناة السويس و ب18 يوم بمسار مقارنة بمسار رأس الرجاء الصالح 

فالأهمية الجيواستراتيجية الطريق الحرير القطبي لا تقتصر فقط على إمكانية الوصول الي الثروات الطبيعية الهائلة للمنطقة القطبية من النفط والغاز والفحم والمعادن الأرضية النادرة ومصائد الأسماك وتشير التقديرات أن 13 %من النفط الغير المكتشف و30 %من الغاز العالمي موجودان في المنطقة .   

أو كونه يسمح بتطوير ممر بحري جديد للملاحة ويختصر رحلات سفن الشرق والغرب إنما تتجاوز ذلك إلى الأهمية الاستراتيجية من منظور عسكري بحت حيث باتت السفن الحربية الروسية والصينية 

وبمجرد عبور إحدى الغواصات الصواريخ الباليستية لمضيق بيرينغ و دخولها إلى المحيط المتجمد الشمالي ستصبح جل المدن الأمريكية مكشوفة فهي على بعد 3000ميل بحري فقط وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي 

فطريق الحرير القطبي يعد طريقا آمنا وسريعا للطاقة التي باتت روسيا تتصدر قائمة الدول المصدرة لها إلى الصين بإستخواذها على 19 % من إجمالي الواردات النفطية و20% من واردات الغاز خلال العام الماضي وهذا ما سيقلل من خطر السيطرة الأمريكية على الممرات البحرية المؤدية إلى الصين 

فبمجرد أن يكتسب طريق الحرير القطبي صفة ممر ملاحي دولي سيشكل دائرة إقتصادية قوية حول القطب الشمالي خاصة شمال شرق آسيا وشمال غرب أوربا وهذا ما سيغير من النسق الاقتصادي والتجاري العالمي المعروف منذ قرون

فهل ستسمح أمريكا بهذا الطريق الصاعد بالصين إلى قيادة إقتصاد العالم

هل إقتربت الحرب 

بعد أن أوهم ترامب العالم أو هكذا توهّم بأن له القدرة على إيقاف حرب روسيا أوكرانيا في ثاني يوم من توليه الرئاسة . 

حرب صراع مصالح ومطامع   

القوى العظمى روسيا والصين من جهة وأوربا الولايات المتحدة من جهة أخرى 

فالتغيرات المناخية قبل سنة 2000 زادت من الأهمية الجيو سياسية لمنطقة أوروبا الشمالية وجعلها بأهمية المحيط الهندي لذلك علا التوتر بين الصين وروسيا وأمريكا وأوروبا

وإحتدمت المنافسة بينهم أجّجها إستفزاز ترامب لما عرض على الدنمارك 2019 شراء جزيرة جرينلاند بعد صدور تقرير يفيد أن الإحتباس الحراري سيسهل الوصول للموارد المعدنية بالجزيرة الدنماركية التي رفضت عرض مبررا ذلك بأنه أراد حمايتها من طموحات الصين وروسيا ،في المقابل سمحت النرويج للولايات المتحدة بإرساء قواعد عسكرية على أراضيها لذلك خاصمت روسيا مجلس القطب الشمالي لأنها لم تكن موافقة على وجود قوات أمريكية بالقرب من حدودها القريبة من القطب الشمالي بالوقت الذي بدأت فيه الصين تخطط لبناء كاسحات جليد وتخطط لطريق الحرير القطبي موازاة مع محاولات روسيا السيطرة على طريق الشحن الساحلية 

 لكن كل دول أوروبا الشمالية أصروا على دعم دور أمريكا بالمنطقة بعد تزايد الهجمات الإلكترونية من الصين وروسيا وإيران وتعرض بحر البلطيق للمناورات روسية

فكان قرار روسيا غزو أوكرانيا بحجة القواعد العسكرية للناتو القريبة من حدودها لكن فعليا كان كل طرف خائف من طمع الآخر من الاستيلاء على ثروات القطب الشمالي الذي قال عنه تقرير السويدي ماتياس لنغارم عام 2023 أن محيطه سيشهد صراع بحجم طموحات القوى العظمى مع ذوبان الجليد وظهور الكنوز

والذي سيمكن من يتحكم في القطب بملك كنوز الأرض

وحسب هذا التقرير فالقطب الشمالي سيصبح قريبا منجم الأرض لما يحتويه من معادن وغاز أحفوري وغاز طبيعي 

والذي قسّم العالم إلى تحالفين أمريكا وأوروبا ضد الصين وروسيا

لذلك تظل إحتمالية تصعيد الأمور ممكنة في أي لحظة

والإستيلا على معادن القطب الشمالي وعلى الممرات البحرية والموانئ.

فثالوث سياسة الأمن الخارجي الأمريكية هو السيطرة على معابر الطاقة وأمن آسيا الوسطى وأمن أوروبا 

فطلب ترامب استعادة القاعدة العسكرية بافغانستان غراهام هي في صلب أمنها القومي ومنها قد تشن حربا على من يمس منه .

اليوم هناك قطب جديد ينافسها على معابر الطاقة، وأي تغير جيوبوليكي يهدد أمن آسيا الوسطى هوتهديد لأمنها وكل من يزعج أوروبا ولو ظهرت خلافات بينهما بداية تولي ترامب الحكم هو تلاعب بمصلحة حلفائها.

الشرق الأوسط المرتهن لإسرائيل

الشرق الأوسط يتوسط طريق الصين لأروربا فيه صراع بالوكالة للقوى العظمى ليتمكنوا من الموانئ وطرق الشحن البحري بالمنطقة هنا نفهم لماذا ضُرب ميناء بيروت حتى تصعد أهمية ميناء حيفا وميناء غزة القادم 

وكذلك لتأمين الغاز القطري عبر روسيا وتركيا لأوروبا 

لكن لأن الشرق الأوسط يتضمن الصراع العربي الإسرائيلي 

فكان على إسرائيل قطع كل أشكال المقاومة بالمنطقة للبحث بسلام عن المعبد المزعوم، ولأن الغرب قد ينشغل عنها في أي لحظة بصراعاته الصينية وتبقى بدون دعمه فقد صرح أردوغان أن إسرائيل بدون دعم لن تصمد ثلاثة أيام 

ترامب نفسه حذر أن إنتخاب منافسته من الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس سيسبب بإنتهاء إسرائيل خلال عامين وهنا يقصد بفشل فرض السلام في المنطقة 

لأنه إذا إندلعت حرب جديدة يمكن أن تنهي إسرائيل 

أولا بغياب الدعم الغربي الذي يسبب وجودها وبدخول إيران ومن ثمة حلفائها في حرب مع روسيا والصين ضد أمريكا وبالتالي سيكون الطريق مفتوحا لضرب إسرائيل من عدة جبهات

لذلك وجب تهدئة الشرق الأوسط وفرض السلام فيه بالقوة والتفرغ لحرب أمريكا الحقيقية مع الصين أولا و ثانيا وثالثا ورابعا ... 

لذلك تسعى إسرائيل جاهدة للقضاء على كل أشكال المقاومة حماس، حزب الله ،الحوثي، الحرس الثوري. 

حتى تضمن وجودها لفترة أطول ويرجع الغرب يدعمها من جديد 

إستفزاز روسي لأوروبا

 إستقوت روسيا صينيا بعد عودة بوتين من قمة شنغهاي فقد أطلقت مسيرات تشويش على مطارات النرويج الدنمارك وتعطيل أجهزة إلكترونية بمطارات ألمانية 

مما دفع أمريكا لنشر غواصتين قرب سواحل روسيا للرصد وتمكين أوكرانيا من صواريخ توماهوك القادرة على ضرب مواقع بعيدة وبدقة عالية

وتمكين النرويج من طائرات إستطلاعية لتتبع الغواصات الروسية و إعطاء أوروبا الضوء الأخضر للتزود بمعلومات إستخباراتية لشن هجمات بعيدة المدى 

و يضغط ترامب على مجموعة الدول السبع للموافقة على تشديد العقوبات على قطاع الطاقة الروسية وصلت لحد التهديد بتسليط عقوبات على الدول التي تشتري النفط الروسي ، قال ترامب نصحت أردوغان بعدم شراء الطاقة الروسية وهي نصيحة بصيغة تهديد مبطن،

الغرب يتهيأ لعمليات ضد روسيا حتى التصريحات الأوربية تغيرت فقد صرح وزير الدفاع البريطاني السابق بن والس من العاصمة البولندية بضرورة تزويد أوكرانيا بصواريخ طورس الألمانية لتدمير جسر شبه جزيرة القرم حتى يحطم غرور بوتين 

قابلته روسيا بضرب سكك الحديد في أوكرانيا حتى ينقطع المد العسكري الغربي

وإتفقوا في قمة الإتحاد الأوروبي على بناء جدار الطائرات بدون طيار مضاد للطائرات المسيرة يتواجد على كل الحدود الشرقية لأوروبا بلغت تكلفته 20. مليار دولار

أوروبا بحالة تصعيد وتسلح،

قالها بوتين الحرب على الأبواب

نحن أمام شرق أوسط جديد

وكذلك أوروبا جديدة 

وتوازن عالمي جديد لو نجحت الصين في مد طريق الحرير القطبي ستذيب التوازنات القديمة وتؤسس لنظام عالمي جديد

فهل نستعد للحروب السيبرانية

وحرب الفيروسات والمسيرات بعد أن كنا ننعم بحرب النجوم.  

-لبنى بن عبد الله-

قد يهمك