يتوجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى آسيا الوسطى لعقد قمة جديدة مع قادة الجمهوريات السوفياتية السابقة في المنطقة، في خطوة تسعى من خلالها موسكو إلى تثبيت نفوذها التاريخي في منطقة تشهد منافسة متزايدة بين القوى الكبرى.
القمة، التي تستضيفها العاصمة الطاجيكية دوشانبي، هي الثانية من نوعها منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، وتضم دول كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان. وتأتي في ظل تمدد صيني واضح عبر “مبادرة الحزام والطريق”، واهتمام غربي متنامٍ، ما يجعل النفوذ الروسي التقليدي في المنطقة أمام اختبار حقيقي.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، تحولت آسيا الوسطى إلى ساحة دبلوماسية نشطة؛ إذ شهدت قمماً متتالية مع الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا، في مؤشر على تعدد مراكز التأثير الجديدة هناك.
وترى موسكو أن الحفاظ على حضورها في آسيا الوسطى يمثل أولوية استراتيجية، بالنظر إلى موقع المنطقة الجغرافي ومواردها الطبيعية الغنية. لذلك تعمل روسيا على تعزيز التعاون عبر اتفاقيات الطاقة وبناء محطات نووية وشحنات الغاز، إلى جانب التنسيق الأمني والعسكري.
لكن الأرقام تكشف عن تغير موازين القوة الاقتصادية: فحجم التبادل التجاري بين روسيا ودول آسيا الوسطى بلغ نحو 44 مليار دولار عام 2023، بينما وصل مع الاتحاد الأوروبي إلى 64 مليار دولار في 2024، وارتفع مع الصين إلى ما يقارب 95 مليار دولار، لتصبح بكين الشريك التجاري الأكبر للمنطقة.
ويرى باحثون أن ما يجري اليوم هو “نسخة جديدة من اللعبة الكبرى” التي خاضتها روسيا وبريطانيا في القرن التاسع عشر للسيطرة على طرق التجارة والنفوذ في آسيا الوسطى، حيث تشارك الآن قوى أخرى أبرزها الصين والاتحاد الأوروبي.
وفيما تصر موسكو على أن العلاقة مع بكين تقوم على “التعاون لا التنافس”، فإن الحقائق على الأرض تشير إلى سباق نفوذ متصاعد، تسعى فيه كل قوة لترسيخ أقدامها في منطقة كانت يومًا ما الفناء الخلفي للإمبراطورية الروسية.
من زوايا العالم