بث تجريبي

نساء سوريا… فلسفة اللاعنف الوسيلة العملية لبناء المجتمع الديمقراطي

في اليوم الدولي للاعنف، تبرز المرأة السورية صوتاً استثنائياً في مواجهة واقعٍ مثقل بالحروب والانقسامات، فعلى الرغم من أن سنوات النزاع، التي خلفت جراحاً عميقة وأشكالاً متعددة من العنف، من فقدان الأحبة إلى التهجير والتهميش، إلا أن النساء لم يكتفين بدور الضحية، بل تحوّلن إلى حاملات لرسالة السلام، وصانعات لمساحات حوار ومصالحة في مجتمعات أنهكها الصراع، وقدمن نموذجاً حياً لتحويل فلسفة اللاعنف من شعار عالمي إلى ممارسة يومية تُرمم ما هدمته الحرب.

ففي الثاني من تشرين الأول من كل عام، يقف العالم وقفة تأمل مع اليوم الدولي للاعنف، مناسبة عالمية تذكّر الشعوب بقدسية الحياة الإنسانية وضرورة البحث عن حلول سلمية للنزاعات بعيدًا عن منطق السلاح والدم. هذا اليوم الذي ارتبط بذكرى ميلاد المهاتما غاندي، لم يعد مجرد ذكرى تاريخية، بل تحوّل دعوة مستمرة لتعزيز ثقافة السلام والتسامح.

في سوريا، حيث الحرب تركت جروحًا عميقة على مدى أكثر من عقد، يكتسب هذا اليوم معنى مضاعفًا. فالعنف لم يكن حدثاً عابراً، بل واقعاً يومياً عاشه ملايين السوريين، من نزوح وتهجير قسري وتشريد وقتل وانقسامات اجتماعية، وبين كل هذه المآسي، كان للمرأة النصيب الأكبر من الألم لكنها كانت أيضاً حاملة راية الأمل.

المرأة السورية في مواجهة العنف

النساء في سوريا واجهنَ أشكالاً متعددة من العنف ومنها العنف الأسري، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى التهميش السياسي والاجتماعي، ومع ذلك، لم تكن المرأة ضحية فقط، بل تحولت فاعلاً أساسياً في مسارات السلام والمجتمع المدني.

ففي العديد من المدن السورية، لعبت النساء دوراً في بناء مبادرات محلية صغيرة تقوم على المصالحة والحوار، سواء بين أفراد المجتمع أو بين عائلات متخاصمة، كذلك ظهرت منظمات نسائية تسعى لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات من العنف، والتوعية بأهمية العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

اللاعنف قوة تغيير

اليوم الدولي للاعنف يقدم فرصة للنساء السوريات لتأكيد أن التغيير لا يُصنع بالسلاح، بل بالوعي والتنظيم والعمل المجتمعي فكثير من النساء ينظرن إلى فلسفة اللاعنف وسيلة عملية لإعادة بناء المجتمع على أسس جديدة، في العدالة، والمساواة، والكرامة الإنسانية. ففي الوقت الذي ما زالت فيه مناطق سورية مختلفة تشهد توترات، تبادر نساء ناشطات إلى الدعوة للحوار، ورفض خطاب الكراهية، مؤكدات أن السلم الأهلي يبدأ من البيت والحي والمدرسة، قبل أن يتحقق على مستوى الدولة.

إن الاحتفال باليوم الدولي للاعنف في السياق السوري، هو تذكير عالمي بمعاناة الشعب السوري، وخاصة النساء اللواتي دفعن أثماناً باهظة. لكنه أيضاً مساحة لتسليط الضوء على جهود النساء في بناء السلام، فاللاعنف ليس شعاراً فقط، بل طريقاً طويلاً تتبناه النساء السوريات بإصرار، رغم التحديات لإعادة النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب.

اليوم الدولي للاعنف يذكرنا أن السلام ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية، وأن النساء في سوريا يشكلن حجر الأساس في أي عملية تحول ديمقراطي أو مصالحة مستقبلية، من خلال أصواتهن وتجاربهن، يمكن أن تصبح فلسفة غاندي حيّة من جديد في واقع أنهكته الحرب.

.... نقلاً عن صحيفة روناهي

قد يهمك