يشير تقرير نشره موقع “ذا كرادل” إلى أن المشهد السياسي في تركيا يشهد تحولات عميقة تهدد ما تبقى من أسس النظام الديمقراطي في البلاد، حيث يعمل الرئيس رجب طيب أردوغان على إعادة هندسة الحياة السياسية والقانونية بشكل يضمن إحكام قبضته على مفاصل الدولة، في ظل تراجع ملموس للحريات واستقلال المؤسسات.
فمنذ سنوات، يتهم أردوغان معارضيه باستخدام مؤسسات الدولة لإعاقة “المشروع التركي الجديد”، لكنه في المقابل قام بخطوات منهجية لتقويض التوازنات التقليدية التي قامت عليها الجمهورية، مستبدلًا التعددية السياسية بتجميع السلطة في يد شخص واحد وحزب مهيمن. التقرير يرى أن هذه السياسات لم تعد تقتصر على المجال السياسي بل امتدت لتطال القضاء، الإعلام، والفضاء المدني.
على مستوى القضاء والإعلام
فعلى مستوى القضاء، تم تعزيز هيمنة السلطة التنفيذية على المؤسسات القضائية، عبر تعيين قضاة موالين أو مقربين من الحزب الحاكم في مواقع حساسة، الأمر الذي أفقد المحاكم استقلاليتها وجعلها أداة تستخدم ضد المعارضين والصحفيين والنشطاء. ويشير التقرير إلى أن قضايا عديدة تخص شخصيات معارضة تمت إدارتها بطريقة تكشف مدى تسييس العدالة.
أما على الصعيد الإعلامي، فقد أصبحت السيطرة شبه كاملة، حيث أُغلقت قنوات وصحف مستقلة، فيما باتت وسائل الإعلام الرئيسية خاضعة إما بشكل مباشر للحكومة أو لرجال أعمال يدينون بالولاء للرئيس. هذا الوضع أدى إلى تضييق شديد على حرية التعبير، وجعل السردية الرسمية هي المهيمنة على الرأي العام.
المجتمع المدني لم يسلم
كما لفت التقرير إلى أن المجتمع المدني لم يسلم هو الآخر من هذه السياسات، إذ واجهت المنظمات غير الحكومية قيودًا متزايدة، بعضها حُظر نشاطه والبعض الآخر جرى التضييق عليه عبر قوانين وتشريعات مشددة. الهدف، بحسب “ذا كرادل”، هو إضعاف أي مساحة يمكن أن تشكل تحديًا لسلطة الدولة المركزية.
ويؤكد المقال أن أردوغان يستخدم خطابًا مزدوجًا: فهو يقدم نفسه كمدافع عن “إرادة الشعب” في مواجهة النخب التقليدية والمعارضة، بينما في الواقع يسعى لتفكيك المؤسسات التي يفترض أنها تجسد هذه الإرادة الشعبية. ويخلص التقرير إلى أن تركيا تعيش اليوم مرحلة إعادة صياغة لنظامها السياسي، حيث يتم إضعاف الديمقراطية الليبرالية لصالح نموذج يقوم على شخصنة السلطة وتعزيز الحكم الفردي.
في ضوء هذه التطورات، يرى المراقبون أن مستقبل الديمقراطية في تركيا أصبح على المحك، وأن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى انغلاق المشهد السياسي، وتهميش الأصوات المعارضة، وتحويل الدولة إلى نظام يتركز فيه القرار بيد واحدة، مع تقليص فرص الإصلاح والتعددية بشكل غير مسبوق.