بث تجريبي

فوزة يوسف: الواقع السوري المتعدد يفرض نفسه وهناك حاجة لنظام حكم ديمقراطي لا مركزي

أدلت السيدة فوزة يوسف، عضوة الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري وعضوة وفد التفاوض للإدارة الذاتية مع حكومة دمشق الانتقالية، بتصريحات مهمة في حوار لها بشأن آخر تطورات العملية التفاوضية وما وصلت إليه، وكذلك استعراض رؤية الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا تجاه مستقبل الدولة السورية، إضافة إلى تقييمها للدور الإقليمي والدولي، وخاصة العربي، في دعم عملية السلام وبناء نظام ديمقراطي يضمن حقوق جميع المكوّنات.

وقد أكدت في هذا السياق، أن سوريا بحاجة إلى نظام جمهوري ديمقراطي لامركزي يعكس هوية جامعة لجميع السوريين، مشددةً على أن الواقع السوري المتعدد والغني أصبح يفرض نفسه، وعلى الحكومة الانتقالية أن تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار. كما شددت القيادية الكردية السورية البارزة، في رسالة إلى هيئة تحرير الشام، على أن إعادة إنتاج البعث تحت مسمى آخر لن يفيد السوريين، بل على العكس، سيدمّر ما تبقّى من أنقاض، مؤكدةً أن تركيا لا تريد سوريا ديمقراطية.

إلى نص الحوار:

* بدايةً، ما هي رؤية إقليم شمال وشرق سوريا فيما يخص شكل الدولة السورية المستقبلية في ضوء المتغيرات الحالية؟

- إننا نرى أن القضية الأساسية في سوريا وكل دول المنطقة هي انعدام الأنظمة الديمقراطية، وسيطرة الدولة القومية على نظام الحكم فيها. سوريا دولة يوجد فيها الكثير من المكونات الإثنية والدينية والثقافية، وهناك عدد من اللغات. لذلك هناك حاجة إلى نظام حكم مناسب لهذا التعدد الموجود. إننا نرى بأن نظام الحكم يجب أن يكون لامركزياً؛ لكي تتمكن هذه الهويات المختلفة من العيش دون أن تتعرض للتهميش والإقصاء، وأن تملك حقوقها السياسية والثقافية والدينية دون أن تتعرض للتعسف والإبادة. النظام المركزي يعني سلب إرادة المكونات وربط كل شيء بمركز واحد، كما أنه يعني منع المكونات المختلفة من المحافظة على خصوصياتها. فالنظام المركزي يؤدي إلى صهر كل الهويات، والذي يؤدي مع الزمن إلى إضفاء لون واحد على كل الألوان، والذي يرسخ بدوره الحكم الأوتوقراطي الاستبدادي كما حصل في الكثير من الدول. لقد ثار الشعب السوري على هذا النظام المركزي الذي منع الكرد من هويتهم فظلوا مكتومين قرناً كاملاً، ومنع الدروز من المحافظة على ثقافتهم، وتم وضع الوصاية على بعض المحافظات بحجة عدم مقدرتها على إدارة أمورهم ليتم تعيين أناس آخرين، وكان هناك دور مهمش للمرأة. لذلك نرى بأن سوريا بحاجة إلى نظام جمهوري ديمقراطي لامركزي، يعبر عن هوية جامعة لكل السوريين، ونظام يضمن حقوق المرأة في جميع نواحي الحياة على أساس المساواة والحرية والعدالة.

*كيف انعكست وجهة النظر هذه على عملية التفاوض مع الحكومة الانتقالية في دمشق؟

- إننا نطرح وجهة نظرنا، وهم يطرحون وجهة نظرهم. في البداية، كان هناك تزمت كبير بشأن الحكم المركزي، لكن الأوضاع التي حصلت في كل من الساحل السوري ومحافظة السويداء أكدت صحة رؤيتنا، وهي أن الحل الوحيد الذي يمكن أن يمنع تقسيم سوريا هو نظام لامركزي ديمقراطي. لأن الشعب السوري لم يعد يقبل بنظام حكم يهمش خصوصية المناطق، ويريد أن تكون هناك وحدة طوعية وليست قسرية. لذلك نرى بأن الحكومة المؤقتة أيضاً اضطرت أن تناقش اللامركزية. بالطبع، لم يتم بعد النقاش حول شكل اللامركزية التي يتحدثون عنها، لكن هذا يعني بأن الواقع السوري المتعدد والغني أصبح يفرض نفسه، وعلى الحكومة المؤقتة أن تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار. في حين أن فرض المركزية يعني عدم الاستقرار والاصطدام الدائم مع المكوّنات.

*أين وقفنا في عملية التفاوض؟ ولماذا تبدو العملية متعثرة رغم التفاؤل الذي انتابنا بعد اتفاق 10 آذار؟ أيضاً من تحملينه مسؤولية هذا التعثر ولماذا؟

- في الوقت الحالي هناك حوار، ويحاول الطرفان الوصول إلى نقاط مشتركة. في الحقيقة أرى أن سبب التعثر هو عدم استخدام طريقة صحيحة في إدارة هذه العملية. قبل كل شيء هناك حاجة لفترة تعزيز ثقة، لأن سنوات الحرب أدت إلى حدوث شرخ كبير بين القوى في سوريا. لذلك يجب العمل على بناء الثقة وعدم الانتقال إلى مرحلة أخرى دون النجاح في هذه المسألة. لكن الطرف المقابل يحاول الاستعجال ويضع الحصان أمام العربة. وهذا يمنع من حركة العربة. إننا في الوقت الحالي نحاول أن نبدأ من المكان الصحيح وهو تشكيل لجان تقوم بمناقشة التفاصيل وتعزز الثقة المتبادلة.

*هل موقع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من المفاوضات ومسألة الاندماج في جيش سوريا المستقبلي هو المعضلة الرئيسية؟ أم أن الأمر أعمق وأبعد من ذلك؟

- المسألة الأساسية هي شكل الحكم، إذا لم يتم تثبيت ذلك لا يمكن الخوض في أي قضية، لأن جميع المؤسسات بما فيها العسكرية سيتم التعامل معها على أساس شكل نظام الحكم. لأن الدمج في نظام مركزي يختلف عن الدمج في نظام لامركزي. وهناك فرق كبير في الصلاحيات وفي دور المؤسسات المركزية والمحلية.

*بكل صراحة، هل قرار الحكومة الانتقالية فيما يخص وضع إقليم شمال وشرق سوريا قراراً سورياً أم أنه بالأساس يأتي من تركيا؟

- سوريا ما زالت مركز صراع دولي وإقليمي، ولتركيا أيضاً دور مهم في بلادنا، وحسب متابعتنا، فإن أنقرة تعمل على توجيه سوريا حسب مصالحها وتطلعاتها. التوجه التركي هو توجه مركزي، ولا تريد أن تكون لها جارة ديمقراطية تضمن حقوق المكونات والنساء، لأنها ترى أن هذا التحول الديمقراطي سيؤثر على داخلها أيضاً. في الحقيقة من المهم جداً أن تعرف تركيا والدول الأخرى أن سوريا ديمقراطية ستكون جارة جيدة لكل جيرانها وحتى للمنطقة. في حين إذا كانت دولة ترعى الفكر السلفي أو التعصب القومي والديني، فإن ذلك سيؤدي إلى عدم الاستقرار والتوتر المستمر. لذلك من الضروري أن تدرك تركيا هذه الحقيقة، وأن تساعد من أجل ترسيخ نظام ديمقراطي في سوريا.

*هل تعتقدين أن عملية السلام التي طرحها القائد عبدالله أوجلان في تركيا وموقف النظام هناك لها انعكاساتها على التفاوض بينكم وبين الحكومة الانتقالية؟ وهل أنقرة تتعامل معهما كملف واحد من وجهة نظركِ؟

- نعم، أنقرة تتعامل معهما كملف واحد، في حين أن الوضع في سوريا وتركيا مختلف جداً. ففي سوريا انهارت الدولة، والآن نحن بصدد بناء دولة جديدة. المخاطر التي يواجهها الكرد السوريون تختلف عن وضع الكرد في تركيا. على سبيل مثال، ما حصل في السويداء والساحل من مجازر وانتهاكات وخطف للنساء، يمكن أن يحصل ضد الكرد أيضاً، لأنه لا توجد أي ضمانات دستورية تمنع ذلك، ولا توجد سيطرة بعد على الفصائل التي قامت بهذه الانتهاكات. لذلك سيكون خطأً استراتيجياً إذا ما تم إسقاط الوضع في تركيا على سوريا.

*إلى أي مدى تبدو هنا الحاجة ماسة إلى دور عربي متوازن تجاه سوريا؟ وكيف ينظر المكوّن الكردي إلى هذا الدور؟

- إننا منذ بداية الأحداث في سوريا ركزنا على الدور العربي، وكان لنا دعوة للدول العربية أن تلعب دوراً متوازناً في سوريا. ولقد قام الكرد والعرب معاً بمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وحققوا نجاحاً باهراً نتيجة الاتفاق الاستراتيجي الذي تم بين الشعبين العربي والكردي في سوريا. وعلى سبيل المثال، مصر منذ بداية الأزمة السورية كان لها دور إيجابي وبنّاء، ونتطلع أن يترسخ هذا الدور في الفترة المقبلة أيضاً.

*قلتِ من قبل إن هيئة تحرير الشام لو استمرت مواقفها هكذا، فستكون نهايتها مثل نظام البعث.. لماذا؟

- نعم، نظام البعث كان يرفض التعددية في سوريا وكان يرسخ التعصب القومي والمذهبي والذكوري، لذلك أدى بسوريا إلى الهلاك. إذ أن إنتاج البعث من جديد تحت مسمى آخر لن يفيد السوريين، على العكس من ذلك، سيدمر ما تبقي من أنقاض. لأن التعصب بكل أشكاله قد أفلس، ولم يعد هناك أي مبرر لتكراره مرة أخرى. إننا بحاجة إلى رؤية جديدة، إلى نظام جديد، إلى أفق جديد. السوريون ضحوا بأغلى ما لديهم من أجل العيش بحرية وكرامة وضمن مساواة حقيقية. ولذلك، يجب أن نستخلص الدروس، وألا يتم تكرار ما عمل عليه البعث خلال السنوات الماضية. والطريق الوحيد لخلاص سوريا من التقسيم والتشرذم هو تأسيس نظام سياسي جديد يقوم على الديمقراطية. وإننا مستعدون للعمل على تحقيق هذا الشيء مع إخوتنا العرب والمكوّنات الأخرى. هناك ترويج دائم وممنهج ضدنا، وهو القول بأن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تريد الانفصال والتقسيم. هذا غير صحيح، إننا نؤمن بالتعددية ضمن الوحدة، ويمكن تشبيهها بحديقة ورود. لكل وردة اسم وخصوصية ولون ورائحة وجمالية، لكن يجمعها مكان واحد واسم جامع. الحفاظ على الحقوق والخصوصية لا يعني الدعوة للتقسيم، بالعكس إنه دعوة لوحدة أزلية، لأن الوحدة التي تعتمد على قبول الآخر وعلى أسس ديمقراطية فهي ستستمر. في حين إذا اعتمدت على القوة والاستبداد والتهميش، فإن عمرها سيكون قصيراً. من هذا المنطلق، نحن نعمل من أجل أن تكون سوريا دولة قوية، وقوتها يجب أن تُبنى على المصالحة الداخلية، ومشاركة جميع المكونات في عملية البناء. بقدر ما يكون هناك انسجام داخلي، ستكون قوية تجاه كل التهديدات. ومن يعترف بهذه الحقائق ويأخذها بالحسبان، باعتقادي سيكون ناجحاً، وهذا ما نطمح إليه ونكافح من أجله.

 

قد يهمك