تحدثت أمينة عمر، عضوة منسقية مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، عن سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي جرت في الساحل السوري في شهر مارس الماضي، مؤكدة أن ما حدث لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج ذهنية ممنهجة تعتبر جسد المرأة وسيلة حرب، والطائفة المخالفة "غنيمة مشروعة" في قاموس الهيمنة الجهادية، وفق ما نقلت وكالة فرات للأنباء.
وقالت أمينة: "ما جرى في الساحل السوري في مارس الماضي من قتل وسرقة وسبي للنساء، لا يمكن اعتباره مجرد خروقات فردية أو تجاوزات محلية، بل هو تعبير واضح عن بنية أيديولوجية متطرفة تعيد إنتاج الهيمنة والسيطرة تحت ستار الدين والشرعية الإسلامية. استهدفت الطائفة العلوية بأكملها، وخاصة نساؤها، وتم سبي بعضهن إلى إدلب، في تكرار نمط "الغنيمة" المعتمد في العقائد الجهادية.
وتابعت: "هذه الانتهاكات تأتي ضمن حملة ممنهجة تستهدف المكونات السورية، وعلى رأسها النساء. ونعلم جيداً أن الحكومة التي تبوأت السلطة بعد سقوط نظام البعث، كانت مدفوعة بخلفية إسلامية راديكالية لا تؤمن بالتعددية ولا بحقوق المرأة، بل تتعامل مع النساء كغنائم، وفق فتاوى تشرعن نكاح الجهاد والسبي، كما رأينا في مناطق أخرى".
كما أكدت أن هذه الذهنية، رغم تلبسها بلبوس المعارضة والثورة، ليست سوى استمرار للهيمنة، ولكن بلون آخر. فبعدما كان الاستبداد قوميًا بعثياً، أصبح اليوم دينياً إقصائياً يستهدف الطوائف والمكونات الأخرى، ويحملها وزر النظام السابق. وأشارت إلى أن "السلطة الجديدة حملت المكون العلوي جرائم النظام البعثي، وتمت معاقبته جماعياً، وخاصة النساء، في ممارسة لا تختلف عن ذهنية العقاب الجماعي التي استخدمها نظام البعث ذاته".
وفيما يخص لجنة تقصي الحقائق، قالت أمينة: "إن تشكيلها جاء من الحكومة المؤقتة ذاتها، وبالتالي كانت تفتقر إلى الاستقلالية والشفافية، وقدمت تقريراً خجولاً لا يرتقي إلى حجم الجريمة، بل مارست تعمية متعمدة للحقائق، متجاهلة التوثيق الدولي المسبق للانتهاكات التي حصلت في تلك المناطق، كما ورد في تقارير وكالات عالمية مثل رويترز.
وأضافت: "حتى تقرير رويترز الذي أشار إلى مقتل الكثير من أبناء الطائفة العلوية، أغلبهم من النساء، لم يدفع الحكومة المؤقتة للاعتراف أو المحاسبة. بل تم الاكتفاء بسردية مراوِغة تنفي التورط وتحاول خلق حالة من التبرؤ الجماعي من المسؤولية، ما يعكس ذهنية الإنكار السلطوية ذاتها التي واجهها السوريون لعقود".
وانتقلت أمينة عمر للحديث عن الذهنية التي تحكم البلاد اليوم، مؤكدة أن "ما يجري هو محاولة لصبغ البلاد بلون طائفي واحد، يتماشى مع مشروع دولة إسلامية سنية متشددة، ترفض أي وجود علوي، درزي، مسيحي أو كردي، وتقصي المرأة تماماً من مواقع الفعل السياسي والمجتمعي. هذه ليست معارضة ديمقراطية، بل مشروع سلطة دينية متطرفة".
واستدلت بذلك على تصريحات فصائل تابعة لهيئة تحرير الشام، التي لم تخف شرعنتها لسبي النساء، ولا تمجيدها لمفاهيم مثل "نكاح الجهاد"، وأشارت إلى أن "هذه الذهنية المتجذرة في القاعدة والنصرة وهيئة تحرير الشام، انتقلت اليوم إلى مؤسسات الدولة المؤقتة، التي تسيطر فعلياً على وزارة الدفاع والسلطة الحالية، رغم التجميل الخطابي الذي تمارسه أمام الإعلام الدولي".
وبشأن ما جرى في السويداء، قالت أمينة: "الاستهداف المنظم للطوائف ليس حالة استثنائية، فبعد الطائفة العلوية، جاء الدور على الدروز، وقبلهم المسيحيون. هذا النمط من السلطة يريد فرض إرادة دينية واحدة، ورفض كل ما هو مختلف، كأنه يكرر مقولة: ’إمّا أن تكون معنا، أو فأنت عدو يجب إقصاؤه‘".
وفي ختام حديثها، شددت أمينة عمر على ضرورة تفعيل دور المنظمات النسوية، التي أثبتت عبر السنوات الماضية، وخاصة منذ عام 2011، أنها قادرة على إحداث تحولات حقيقية في بنية المجتمع السوري. وقالت: "حين لا تكون هناك محاسبة، تتحول الجرائم إلى سياسة ممنهجة. لذلك يجب أن تتكاتف المنظمات النسوية والمجتمع المدني، وأن توضع استراتيجية مشتركة لحماية المرأة السورية، وتحصين حقوقها، ومواجهة الذهنية الذكورية المتسلطة".
وأكدت أن "مشاركة المرأة في صنع القرار وكتابة دستور سوريا الجديد ضرورة لا ترف، ويجب أن تكون المرأة حاضرة في كل دوائر القرار، من التشريع إلى القضاء إلى السياسة، وأن تعاد صياغة البلاد على أسس ديمقراطية، لا تقصي أحداً، ولا تسبي أحداً، ولا تشرعن العنف باسم الدين أو الطائفة".
من زوايا العالم
من زوايا العالم
أصداء المرأة
أصداء المرأة
أصداء المرأة