يستعد عمدة نيويورك المنتخب، زهران ممداني، للإقامة في قصر "جرايسي"، المقر الرسمي لعمدة المدينة منذ أكثر من ثمانية عقود، وهو منزل خشبي أصفر اللون يحمل تاريخًا طويلًا يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين بُني عام 1799 على يد التاجر الثري أرشيبالد جرايسي، في موقع استراتيجي ارتبط بحرب الاستقلال الأمريكية، وفقًا لما ذكره موقع "هستورك هاوس ترست" المعني بالمنازل التاريخية.
تاريخ القصر وتبدل الملكية
واجه جرايسي صعوبات مالية بسبب حرب عام 1812، اضطرته لبيع منزله عام 1823، وتغيرت ملكيته مرات عدة حتى استولت عليه مدينة نيويورك عام 1896، وضمّت أرضه إلى حديقة "كارل شورز" عام 1910. وفي عام 1942، أصبح القصر مقر الإقامة الرسمي للعمدة فيوريلو لاجوارديا، الذي أطلق عليه اسم "بيت الشعب"، بحسب صحيفة ذا هيل الأمريكية.
قصص الأشباح والأساطير
ارتبط القصر عبر العقود بالعديد من القصص الغامضة، إذ قال بعض العمداء السابقين إنهم سمعوا أصواتًا غريبة أو شعروا بحركة غير طبيعية داخل المبنى. فقد رفض العمدة إد كوتش في البداية الانتقال إليه قبل أن يضطر لذلك، بينما امتنع مايكل بلومبرغ عن السكن فيه رغم إنفاقه 7 ملايين دولار على تجديده. أما إريك آدامز، فأعلن صراحة أنه لا يبيت فيه لأنه "مسكون بالأشباح"، وهو ما أيدته شيرلين ماكراي، زوجة العمدة الأسبق بيل دي بلاسيو، التي تحدثت عن أبواب تُفتح وتُغلق تلقائيًا.
ورغم هذه الروايات، يظل القصر مكانًا رسميًا يحتضن فعاليات كبرى مثل أسبوع الموضة في نيويورك واستقبالات الجاليات المختلفة.
جذور تاريخية غنية
احتوى القصر في بدايته على قبو ونفق سري يصل إلى النهر، يُعتقد أنه كان يُستخدم كطريق هروب في زمن الحرب. واستقبل شخصيات بارزة مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جون كوينسي آدامز، وألكسندر هاملتون، والشاعر الأيرلندي توماس مور، كما جُمعت فيه التبرعات لتأسيس صحيفة نيويورك بوست.
لكن تاريخه يحمل جانبًا مظلمًا أيضًا، إذ بُني جزئيًا على أيدي عمالٍ سود عُرفوا بـ"الخدم بعقود"، في محاولة لتجميل صورة العبودية آنذاك. وبعد وفاة جرايسي، تعرض القصر للإهمال وتحول لفترات إلى مراحيض عامة ومستودع وكشك للمأكولات، حتى تدخلت مجموعة من سيدات المجتمع في عشرينيات القرن الماضي لإنقاذه وتحويله إلى متحف لتاريخ المدينة.
الترميم والتقاليد الحديثة
بعد استخدامه كمتحف، أعيد ترميم القصر ليصبح المقر الرسمي لعمدة نيويورك عام 1942. ومنذ ذلك الوقت، شهد القصر عدة مراحل من التجديد والتوسعة، أبرزها في الستينيات والثمانينيات، حيث أُعيد تصميم بعض الأجزاء لتبدو كما كانت في حقبته الأصلية، مع إضافة لمسات فنية حديثة.
كما نشأت تقاليد رمزية جديدة، منها قيام أبناء العمداء بنقش أسمائهم على نوافذ القصر، واستبدال بعض الأثاث العتيق بقطع حديثة تبرعت بها شركات خاصة. وتواصل منظمة "حماية قصر جرايسي" اليوم جهودها للحفاظ على هذا المعلم التاريخي بوصفه رمزًا لتراث المدينة وروحها المتجددة.
من زوايا العالم
فضاءات الفكر
منبر الرأي