عقد مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" اجتماعاً موسعاً بحضور أعضائه في إقليم شمال وشرق سوريا، بهدف تحديد أولوياته في المرحلة الانتقالية وما بعدها ومناقشة التطورات السياسية والتنظيمية.
وعقد الاجتماع في مدينة الحسكة، وبمشاركة الرئاسة المشتركة للمجلس، بالإضافة إلى أعضائه وعضواته في إقليم شمال وشرق سوريا وممثلين عن الأحزاب السياسية المنضوية تحت مظلة "مسد"، فيما اختتم الاجتماع ببيان ختامي قرئ من قبل الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية محمود المسلط.
اجتماع في مرحلة دقيقة
وجاء في البيان أنه في الرابع عشر سبتمبر 2025، انعقد الاجتماع الموسع لمجلس سوريا الديمقراطية، بمشاركة ممثلي الأحزاب السياسية، والفعاليات الاجتماعية، والمنظمات النسوية والمدنية، والشخصيات الوطنية المستقلة، وذلك في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد، بعد مرور تسعة أشهر على سقوط نظام الاستبداد في 8 ديسمبر 2024، ودخول سوريا في مرحلة انتقالية ينظر إليها السوريون والمجتمع الدولي بوصفها اختباراً مفصلياً لبناء دولة ديمقراطية عادلة تضمن وحدة البلاد وتنوعها.
وأكد الاجتماع أن الحل السوري المنشود ينبغي أن ينبع من الإرادة الوطنية الحرة، بعيداً عن الارتهان للمحاور الخارجية، وأن مجلس سوريا الديمقراطية طرف أساسي في صياغة مستقبل سوريا الجديدة. كما أشاد المجتمعون باتفاق العاشر من مارس، وأكدوا دعمهم لتنفيذ هذا الاتفاق عبر المسار التفاوضي الوطني الجاري.
إشادة بدور الإدارة الذاتية
كما أشادوا بدور الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا باعتبارها تجربة مهمة في الإدارة التشاركية واللامركزية، وبإسهامها في حماية الاستقرار وضمان حقوق كل المكونات دون تمييز، كما عبّروا عن تقديرهم للتضحيات التي قدّمتها قوات سوريا الديمقراطية في دحر تنظيم داعش، مع التأكيد على ضرورة استمرار التعاون الوطني والدولي لضمان عدم عودة هذا التنظيم الإرهابي وخلاياه.
وتوقف الاجتماع عند التحولات العميقة التي يشهدها العالم مع غياب الالتزام بالقانون الدولي وتصاعد التدخلات الأحادية والضربات العابرة للسيادة، مؤكداً أن سوريا يجب ألا تكون ساحة للصراعات الإقليمية، بل فاعلاً مستقلاً يتحرك وفق مصالح شعبه. كما أشار الاجتماع إلى أهمية القرار الأممي 2254 الذي يشكّل المرجعية الدولية للحل السياسي، وفي هذا السياق، جدد المجلس تمسكه بالحل السياسي الشامل، وتنفيذ الانتقال السياسي دون إقصاء، وتحقيق العدالة عبر محاكمات شفافة، وإعادة إعمار على أسس نزيهة تمنع الفساد والاستغلال وتضمن مصالح المواطنين.
السلطة الانتقالية
كما شدد المجتمعون على أن السلطة الانتقالية – في إشارة إلى حكومة دمشق – ليست مفوضة بالتصرف المطلق، وأن الإعلان الدستوري المؤقت لا يعكس الإرادة الكاملة للشعب السوري، وأن الملفات الاستراتيجية الكبرى مثل الاتفاقات الأمنية والحدودية والتعامل مع بقايا قوات النظام لا يجوز أن تُدار في غرف مغلقة أو عبر قرارات فردية، بل ضمن مؤسسات وطنية تشاركية تمثل جميع المكونات وتخضع للمساءلة أمام الشعب عبر دستور وبرلمان منتخب برقابة أممية.
وأكد الاجتماع أن الحوار والضمانات الحقوقية والدستورية هي السبيل لمعالجة القضايا الوطنية، أما القمع أو العنف فلن يولد إلا أزمات وانقسامات جديدة. وفيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، أكد المجتمعون أن المجازر والانتهاكات التي ارتكبت بحق السوريين في مختلف المناطق، في الساحل السوري والسويداء ودمشق وريفها، تشكّل جراحاً وطنية عميقة لا بد من معالجتها بمحاسبة المسؤولين عنها وتحقيق العدالة عبر مؤسسات قضائية وطنية مستقلة، وبما يحفظ كرامة الضحايا وحقوق ذويهم ويمنع تكرار المأساة.
كما أكد الاجتماع أن حماية السيادة السورية أولوية لا تحتمل المساومة، وأن أي تعاون أمني أو سياسي يجب أن يستند إلى أسس وطنية تشاركية متوازنة، ورأى أن الملفات الوطنية يجب أن تناقش وتدار ضمن مؤسسات جامعة، بما يعزز الثقة ويؤسس لحياة سياسية قائمة على المشاركة والشفافية.
إطلاق حوار وطني
ومن هذا المنطلق، دعا الاجتماع إلى إطلاق حوار وطني شامل تشارك فيه جميع القوى السياسية والاجتماعية والمدنية دون إقصاء، يحدد طبيعة الدولة المستقبلية وشكل الحكم، وفصل السلطات، وضمان التمثيل المتساوي، ورسم مسار المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.
كما دعا إلى تشكيل مؤسسات انتقالية مستقلة تشرف على العملية الدستورية والانتخابات، وتكفل حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، وحرية التعبير والتنظيم، وتعمل على ضمان عودة النازحين بصورة عادلة وآمنة. وجدد الاجتماع التأكيد على أن حل القضية الكردية يجب أن يكون دستورياً وعادلاً، وأن المكوّن السرياني الآشوري مكوّن أصيل في سوريا يستحق الاعتراف الكامل بحقوقه وضمان تمثيله.
دعوة لنبذ الكراهية
وعلى الصعيد التنظيمي، ناقش الاجتماع الموسع الوثائق المقدمة، وهي: الوثيقة السياسية، النظام الداخلي، وخريطة الطريق، باعتبارها مرجعيات أساسية للعمل في المرحلة المقبلة، وتم إجراء التعديلات اللازمة عليها.
وفي الختام، دعا المجتمعون جميع الأطراف إلى نبذ خطاب الكراهية والتجييش، مؤكدين أن سوريا المستقبل لن تعود إلى الاستبداد أو التفرد، بل ستكون دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، قائمة على التعددية والشراكة والديمقراطية. كما عبّروا عن استعدادهم للتعاون مع كل قوة وطنية تضع مصلحة الشعب فوق الاعتبارات الضيقة، من أجل إنهاء الانقسام وتوحيد الجهود لبناء سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية، وعادلة، لكل أبنائها دون استثناء".