شهدت العاصمة التركية أنقرة، أمس الأحد، واحدة من أكبر التظاهرات السياسية في السنوات الأخيرة، حيث احتشد أكثر من 100 ألف شخص في ميدان تاندوغان، رافعين شعار "أردوغان استقِل"، في مشهد يعكس تصاعد الاحتقان بين المعارضة والحكومة التركية.
جاءت التظاهرة قبل ساعات من جلسة قضائية حاسمة قد تؤدي إلى عزل قيادات بارزة في حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، ما اعتبره زعيم الحزب أوزغور أوزيل محاولة جديدة لإقصاء منافسي السلطة عبر أدوات القضاء.
وقال أوزيل في خطابه إن "الحكومة لا تريد ديمقراطية ولا عدالة، بل تسعى إلى التستر على جرائمها ومنع الآخرين من الفوز بالانتخابات"، واصفًا الإجراءات الأخيرة بأنها "انقلاب قضائي صريح".
سياق أوسع
التطورات في أنقرة ليست معزولة عن سياق أوسع، إذ أصدرت النيابة العامة في إسطنبول قبل يومين مذكرات توقيف بحق 48 شخصًا، بينهم رئيس بلدية بيرم باشا حسن موتلو من حزب الشعب الجمهوري، بدعوى "التلاعب في المناقصات والرشوة".
هذه الحملة تُعد جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف، بحسب مراقبين، إلى إعادة فرض السيطرة الحكومية على البلديات الكبرى التي خسرها حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال الانتخابات المحلية.
شكوك حول استقلالية القضاء
وتشير بيانات "متروبول" لاستطلاعات الرأي إلى أن نحو 62% من الأتراك لا يثقون باستقلالية القضاء، فيما يرى أكثر من 55% أن الحكومة تستخدم الملفات القضائية كسلاح ضد المعارضة.
ومنذ انتخابات 2019 المحلية، حيث فاز حزب الشعب الجمهوري ببلديات كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، تتعرض المعارضة لضغوط متزايدة، بلغت ذروتها بمحاولات قانونية لعزل رؤساء البلديات المنتخبين.
هذه الإجراءات تزامنت مع موجة احتجاجات متكررة في إسطنبول وأنقرة خلال الأشهر الماضية، بما يعكس أن الشارع التركي بدأ يتحول إلى أداة ضغط أساسية لمواجهة السياسات الحكومية، في ظل تضييق متزايد على الإعلام والمعارضة داخل البرلمان.
انتقادات دولية
على الصعيد الدولي، أثارت التطورات الأخيرة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية أوروبية وأمريكية، اعتبرت أن "تركيا تسير نحو تقويض التعددية السياسية عبر توظيف القضاء لإسكات الخصوم"، وهو ما قد يفاقم توتر علاقات أنقرة مع الغرب في الفترة المقبلة.
في المحصلة، تكشف احتجاجات أنقرة أن المعارضة التركية باتت تراهن على الشارع كمساحة بديلة للتعبير السياسي، في وقت يحاول فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم إحكام قبضته على مؤسسات الدولة. وبينما يزداد الضغط على قيادات المعارضة، يبدو أن الصراع على مستقبل الديمقراطية في تركيا يدخل مرحلة أكثر تعقيدًا، عنوانها الأساسي: معركة البقاء بين سلطة ترفض التراجع ومعارضة تبحث عن أدوات جديدة للنفَس الطويل.