بث تجريبي

كتاب "مئوية ثورة الشيخ سعيد بيران" للدكتور محمد رفعت الإمام .. صدر حديثاً

الشيخ سعيد بيران اسم كردي بارز، يتوقف عنده المناضلون وكافة الشعوب التوّاقة إلى الحرية بإجلال، فهو رمز للمقاومة والكرامة الوطنية، إذ قاد قبل مائة عام انتفاضة كبرى ضد سياسات التتريك والاضطهاد، ودافع بشجاعة عن هوية وحقوق شعبه حتى وإن كانت نهايته الإعدام.

لم تكن ثورته مجرد حركة مسلحة، بل أتت تعبيراً عن إرادة شعب يرفض الطمس والذوبان. واليوم، بعد مرور قرن كامل، لا يزال إرثه يلهم الأجيال الكردية في مسيرة النضال من أجل الحرية والعدالة، وفي هذا السياق صدر مؤخراً عن مركز آتون للدراسات بالعاصمة المصرية القاهرة كتاب "مئوية ثورة الشيخ سعيد بيران" للأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر.

عن الكتاب

يسلط الكتاب الضوء على سيرة الشيخ سعيد بيران النقشبندي الذي قاد ثورته في ربيع عام 1952 كأول ثورة كردية قومية مسلحة ضد الجمهورية التركية، التي تواطأت ضد الكرد وأقامت نظاماً قومياً أحادياً متطرفاً، وأنكرت جميع حقوق الكرد ثاني أكبر مكون في تركيا، بل ويسبق وجودهم في شرق الأناضول الوجود التركي نفسه.

وقد استند الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام على ترجمة الكتاب الذي أصدرته جمعية خويبون الكردية الوطنية بالقاهرة عام 1928 بعنوان "الإبادة الكردية في تركيا" والذي كتب باللغة التركية العثمانية ليوثق ثورة الشيخ سعيد بدءً من دوافعها مروراً بملابساتها وأحداثها، وأخيراً تداعياتها والاستعداد لجولة نضالية أخرى، كأول وثيقة كشفت مخططات الدولة التركية لنفي الكرد وصهرهم وإبادتهم مادياً ومعنوياً، ورصدت محطات فارقة علي درب النضال الكردي ضد الاستبداد التركي.

وبعد قرن بالتمام والكمال، أي خلال العام الجاري، ومن مصر أيضاً تم ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية مع النص التركي، ودراسة موقع مصر المحوري في إنتاج المعرفة الكردية عموماً والقضية الكردية خصوصاً.

بين صفحات الكتاب

حمل الكتاب بداية إهداء رمزي من الشيخ سعيد بيران إلى القائد الأممي عبد الله أوجلان بأن "المقاومة حياة والثقافة مقاومة"، ثم تمهيداً تطرق بشكل واسع إلى دور مصر في إنتاج المعرفة الكردية، أكد عراقة الحضور الكردي فى مصر على نحو تمثل كمثال في بروز عائلات كردية معروفة فى النسيج المصري، ناهيك عن الطلاب الكرد خريجي رواق الكرد بالأزهر الشريف، ورموز النقشبندية والقادرية.

ولفت إلى أن القاهرة أسهمت بدور فعّال فى التاريخ الكردي العام عموماً وفى القضية والهوية الكردية خصوصاً، وقد قدّم أمثلة عديدة منها أنه في 22 نيسان 1898م، ولدت كردستان باكورة الصحافة الكردية فى القاهرة باللغة الكردية واللهجة الكرمانجية، كوعاء معرفي دشنه الكرد لتكريس الكردية لغة وأبجدية وأدباً وصحافة.

وتحت عنوان تطور القضية الكردية من معركة جالديران إلى ثورة سعيد بيران (1514 – 1925)، قدم الكتاب تعريفاً موجزاً حول الكرد، وبما امتلكوا من موقع جغرافي مميز واستراتيجي ربط بين الهضبتين الإيرانية والأناضولية، وضم بؤرة لممرات الطرق النهرية والجبلية، وكيف أن الكرد نتاج للطبيعة الجبلية بامتياز، على نحو شكل هويتهم على مر التاريخ وارتبط بها، لا سيما وأن موقعهم جعلهم دائماً مطمعاً للقوى الإمبراطورية والاستعمارية.

ثم يستعرض الكتاب العديد من المحطات في التاريخ الكردي بالمنطقة، وصولاً إلى دورهم المحوري في انتصار القوات العثمانية خلال معركة جالديران عام 1514م، في مواجهة إيران الصفوية، وليتمكن السلطان العثماني وقتها من فرض كامل سلطانه على شرق الأناضول ومعظم كردستان، مشيراً إلى أن بني عثمان استغلوا الإسلام السني وطغيان المشاعر الدينية لاستمالة الكرد.

ويلفت إلى أن الكرد حرصوا دائماً على التشبث بهويتهم والحفاظ على خصوصيتهم رغم وجودهم تحت السيادة العثمانية، لا سيما السلطة الذاتية والمحلية التي أقرها لهم العثمانيون نظير دورهم في معركة جالديران، إلا أن الدولة العثمانية دأبت على تقليص مساحات الاستقلال لدى الأمراء الكرد.

وفق الكتاب، استخدم العثمانيون في ذلك عديداً من الأدوات عبر محطات عديدة، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وإعلان قيام الجمهورية التركية لاحقاً، ومعاهدة لوزان 1923، التي جاءت كانقلاب على معاهدة سيفر 1920 التي نصت على إقامة حكم ذاتي للكرد، ثم تواصل النهج التركي القائم على التهميش ومحاولات إذابة الهوية الكردية، وغيرها من الممارسات التي أشعلت شرارة ثورة الشيخ سعيد بيران في ربيع عام 1925.

قدّم الكتاب رصداً عميقاً للمقاومة الشرسة التي قادها الشيخ سعيد بيران في مواجهة القوات النظامية، لكن بطبيعة الحال تفوقت في نهاية المطاف الأخيرة وجرى إعدامه، لكنه ظلّ شامخاً متمسكاً بحقوق شعبه، حتى أنه قبيل لحظات من إعدامه يؤكد سروره بأن يضحي بنفسه في سبيل شعبه، ثم ينتفل الكتاب بعد ذلك إلى ترجمة الكتاب الذي أصدرته جمعية "خويبون" الكردية الوطنية بالقاهرة عام 1928 بعنوان "الإبادة الكردية في تركيا".

والأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام هو أكاديمي مصري مختص في التاريخ الحديث والمعاصر والعلاقات الدولية، وله دراسات عن الأرمن والكرد والإيرانيين واليونانيين والبهائيين ومختلف القضايا المرتبطة بمكونات الشرق الأوسط.

كما أنه مهتم بقضايا الإبادات الجماعية بكل أنواعها، وهو عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، واتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، فضلاً عن أنه كان عميد كلية الآداب بجامعة دمنهور المصرية سابقاً.

قد يهمك