صدر العدد الخامس من مجلة الأمة الديمقراطية، التي دشنت منذ بداية انطلاقها قبل نحو عام في إطار الحملة العالمية لحرية القائد والمفكر الأممي عبدالله أوجلان، وتركز على تقديم قراءات متميزة ونقدية وأكثر عمقاً للجوانب الفكرية والفلسفية لدى القائد (آبو)، كما تتطرق إلى كثير من إشكاليات وقضايا الشرق الأوسط من منظور أوجلاني، لا سيما في ظل المتغيرات والتطورات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، التي من بينها تطورات القضية الكردية.
ويتزامن صدور العدد الجديد من المجلة – بصيغته الإلكترونية – مع تطورات ملحوظة يشهدها مسار السلام، الذي أطلقه القائد عبدالله أوجلان في 27 شباط، والذي يستند في جوهره إلى فلسفة الأمة الديمقراطية. وهي فلسفة تطرح حلولاً جذرية للعديد من الإشكاليات، لا في الداخل التركي فحسب، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط التي تزداد وتتفاقم معاناتها مع مرور الوقت. وتقدّم هذه الرؤية بديلاً عن دوامة الحروب والنزاعات، وتسعى إلى تجاوز الفشل المزمن في إدارة التنوع الثقافي، والعرقي، والديني بين مختلف مكونات المنطقة.
نداء السلام .. رسالة القائد
وجاء العدد تحت عنوان "السلام والمجتمع الديمقراطي"، ومنه جاءت افتتاحية المجلة تحت عنوان "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي"، وتضمنت رسالة القائد عبدالله أوجلان والموقعة بتاريخ 19 حزيران، والتي جاءت كنداء ثانٍ حول المرحلة التاريخية الجديدة لعملية السلام والمجتمع الديمقراطي والتي حددها القائد بإلقاء السلاح، وطرح فيها عدداً من النقاط وآليات وخطوات تنفيذ المرحلة الجديدة هذه، والمسؤوليات الملقاة على عاتق جميع الأطراف.
نقاط عديدة شملتها تلك الرسالة لدفع عملية السلام إلى الأمام، لكن من البنود التي يمكن التوقف عندها وتعكس تضحية القائد من أجل هذا السلام حين قال بخصوص حريته الشخصية التي نصت عليها جميع القرارات كشرط، إنه لن يضع حريته الشخصية كمشكلة في أي وقت، مضيفاً: "في المعنى الفلسفي لا يمكن فصل الحرية الشخصية عن المجتمع، بحرية الفرد يتحرر المجتمع، وبحرية المجتمع يمكن للفرد أن يتحرر، هذه الحقيقة لا يمكن تطبيقها إلا بشكل طوعي .. يكمن إيماني بالسياسة وسلام المجتمع لا بالسلاح، أدعوكم لتطبيق هذا المبدأ".
كما أكدت الرسالة كذلك جانباً مهماً في شخصية القائد عبدالله أوجلان؛ وهو أنه يؤمن إيماناً حقيقياً بالرأي الآخر، والتعدد ولا يمانع ضد أي نقد، حين قال: "بخصوص المرحلة أو العملية، أنا في غاية الحماس أنتظر انتقاداتكم واقتراحكم ودعمكم"، مضيفاً: "أظهرت هذه النقاشات في جميع أنحاء الوطن والمنطقة وعلى المستوى العالمي، أننا كقوى الحداثة الديمقراطية نملك برنامج نظري يصل إلى مرحلة استراتيجية وتكتيكية جديدة، أشير من الآن، أنني حالياً في محاولة استعداد، أستطيع أن أقول بكل سرور بأنني متحمس وذو قرار".
بيان مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي
تضمنت المجلة كذلك في مقدمتها البيان الصادر عن مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي بتاريخ 11 تموز، والذي جاء في أعقاب فعالية السليمانية الرمزية، التي قام فيها عشرات من مقاتلي ومقاتلات الكريلا على إتلاف أسلحتهم في إطار الاستجابة لنداء القائد الصادر في 27 شباط، وندائه الثاني في 19 حزيران.
وأكدت المجموعة في هذا البيان أنه: "لأجل إنجاز وإنجاح مرحلة السلام والمجتمع الديمقراطي، وتعبيراً عن نيتنا الحسنة، وعن عزمنا الصارم من الآن فصاعداً في خوض نضال الحرية والديمقراطية والاشتراكية عن طريق السياسة الديمقراطية والسبل القانونية، وتأسيساً على سنّ قوانين التكامل والاندماج الديمقراطي؛ فإننا نقوم، بإرادتنا الحرة، وبحضوركم جميعاً، بإتلافِ أسلحتنا". كما أعربوا عن أملهم في أن تجلب هذه الخطوة "الخيرَ والسلامَ والحريةَ للنساء والشبيبة بصورة خاصة، ولشعبنا ولكافة شعوب تركيا والشرق الأوسط بصورة عامة، وللبشرية جمعاء بصورة أعمّ".
مقالات عديدة ومتنوعة
تضمّن العدد الجديد من المجلة مجموعة كبيرة من المقالات المتميزة، تصدّرها مقال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري إلهامي المليجي، منسق المبادرة العربية لحرية القائد عبدالله أوجلان، تحت عنوان: "السياسة الديمقراطية.. استراتيجية المرحلة". يتناول المليجي في مقاله مفهوم "السياسة الديمقراطية" ويؤصّل له كفلسفة وجود تُعيد للإنسان اعتباره، وتنقله من موقع الرعية إلى مقام "المواطن الفاعل"، وذلك في سياق الكثير من الإشكاليات والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. ويؤكد أن هذه الفلسفة تمنح المجتمعات القدرة على الصمود، لأنها تُعيد لها حقها في اتخاذ القرار. وفي هذا الإطار، يتوقف المليجي عند تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، باعتبارها نموذجاً عملياً عن إمكانية تحويل الحلم السياسي إلى ممارسة.
وجاء المقال التالي للدكتور طه علي أحمد، الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، تحت عنوان: "الاندماج الديمقراطي في مقابل الصهر: مقاربة تحليلية لإدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط"، إذ يتناول فيه حاجة منطقة الشرق الأوسط الملحّة، في ظل التحولات العميقة التي تمر بها، إلى مقاربة غير تقليدية في إدارة العلاقة بين الأنظمة الحاكمة من جهة، وكافة مكونات المجتمع المتعددة والمتنوعة من جهة أخرى. حيث يسلط الدكتور طه الضوء على الفوارق الكبيرة بين مصطلحي "الاندماج" و"الصهر".
وتحت عنوان: "الاندماج الديمقراطي في مقابل الصهر: مقاربة تحليلية لإدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط" كان المقال التالي للدكتور طه علي أحمد الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، والذي تطرق خلاله إلى حاجة الشرق الأوسط الماسة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها إلى مقاربة غير تقليدية لإدارة العلاقة بين الأنظمة الحاكمة من جهة، وكافة مكونات المجتمع بمختلف تنوعاتها من جهة، موضحاً الفوارق الكبيرة بين مصطلحي "الاندماج" و"الصهر".
بدوره، تطرق الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام إلى انعكاسات "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي" الذي أطلقه القائد عبدالله أوجلان، وذلك في مقاله الذي جاء تحت عنوان: "الشرق الأوسط الأوجلاني"، حيث أكد خلاله أن النداء جاء كنقلة نوعية وعلامة فارقة على مسار حل معضلات الشرق الأوسط، وفي مقدمة ذلك القضيتان الكردية والفلسطينية، مشدداً هنا على أهمية فكرة الإدارة الذاتية كمفتاح لحل تلك المعضلات باعتبارها الشكل العملي لمفهوم المجتمع الديمقراطي.
المرأة حاضرة
لا يمكن لأي كتابات تتناول فلسفة القائد عبد الله أوجلان أن تغفل عن تسليط الضوء على مكانة المرأة، فقد شغلت موقعاً محورياً في فكره، باعتبارها مفتاحاً للحياة وأساساً للتحرر. وانطلاقًا من هذه الرؤية، احتوت المجلة على مقال للروائية والكاتبة اللبنانية صونيا الأشقر بعنوان: "المرأة: فضائل وقيم"، ركزت فيه على مفهوم "المرأة المناضلة"، مشيرة إلى أن فلسفة القائد أعادت المعنى الحقيقي لمفهوم المرأة، الحياة، الحرية، إذ لا يمكن – بحسب صونيا الأشقر – الفصل بين هذه العناصر، فوجود أحدها مرهون بوجود الآخر، وهي مجتمعة تشكل الركيزة الأساسية لأي مشروع تحرري حقيقي.
وتحت عنوان "التفاعل التكاملي كعلاقة تربط الثقافة واللغة"، جاء مقال الباحثة السياسية الدكتورة فرناز عطية حول العلاقة بين اللغة والثقافة، التي وصفتها بالوطيدة والتي ترسم الملامح العامة لأي أمة على وجه المعمورة، وتطرقت في هذا السياق إليهما في فكر القائد عبدالله أوجلان، وكذلك ارتباطها بمفهوم الأمة الديمقراطية.
وتضمنت المجلة مقالاً للدكتور حسني أحمد مصطفى وهو متخصص في علم الاجتماع تحت عنوان: "الأزمة الاجتماعية والمدنية الرأسمالية .. التداعيات والحلول"، حيث ناقش الأزمة الاجتماعية التي تُعد إحدى أبرز الظواهر التي تميز العصر الحديث في ظل سيطرة النمط الرأسمالي على البنية الفكرية للمجتمع، وفي هذا السياق قدم الدكتور حسني أحمد مصطفى استعراضاً حول تعاطي فلسفة القائد مع الأزمة الاجتماعية، وما قدم لها من حلول خاصة في كتابه "المدينة الرأسمالية".
اختتمت المجلة بمقال للدكتورة عزة محمود علي الكاتبة والباحثة تحت عنوان: "الصمت الصارخ .. فيلم سجن آمد"، وتطرقت فيه إلى هذا العمل السينمائي الكردي ضمن الفن المجتمعي، وقد وصفته بأنه "قوي وعميق ويبتعد تمام البعد عن الأهداف التجارية التقليدية"، وهو مستوحى من أحداث حقيقة شهدها سجن مدينة آمد، إذ يسلط الضوء على الظروف القاسية للسجناء السياسيين في فترة الثمانينات أي عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا عام 1980.
من زوايا العالم