في مخبأ سري محصن تحت الأرض، يعكف المرشد الإيراني علي خامنئي على اختيار عدد من البدلاء لتولي مواقع حساسة في سلسلة القيادة العسكرية، تحسبًا لاحتمال مقتل مزيد من مساعديه.
ووفق ثلاثة مسؤولين إيرانيين مطلعين على خطط الطوارئ للحرب، تحيط بالمرشد الإيراني إجراءات أمنية قوية خوفًا من الاغتيال، حيث يتحدث الآن في الغالب مع قادته من خلال مساعد موثوق به، ويعلق الاتصالات الإلكترونية لجعل من الصعب العثور عليه.
ونقل تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤولين، أن خامنئي قام بتسمية ثلاثة من كبار رجال الدين كمرشحين لخلافته في حالة اغتياله.
ويشير التقرير إلى أن المرشد الإيراني "اتخذ سلسلة من الخطوات الاستثنائية للحفاظ على بلاده منذ أن شنّت إسرائيل سلسلة من الهجمات المفاجئة يوم الجمعة الماضي".
ومنذ بدء الحرب، وجّه المرشد رسالتين مسجلتين للجمهور، على خلفية ستائر بنية وبجانب العلم الإيراني، أكد فيهما أن "الشعب الإيراني سيصمد في وجه الحرب القسرية"، متعهدًا بعدم الاستسلام.
أزمة الخلافة
رغم مرور أسبوع واحد فقط، تُعدّ الضربات الإسرائيلية أكبر هجوم عسكري على إيران منذ حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، لكن، يبدو أن إيران تغلبت على الصدمة الأولية، إذ أعادت تنظيم صفوفها بما يكفي لشن هجمات مضادة يومية على إسرائيل.
وحسب "نيويورك تايمز"، يستعد كبار المسؤولين في إيران بهدوء لمجموعة واسعة من النتائج مع اشتداد الحرب، في الوقت الذي يفكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دخول القتال بشكل مباشر.
وعلى الرغم من تعرضها لضربة قوية، يبدو أن سلسلة القيادة الإيرانية -المحمية عن كثب في الوقت الحالي- لا تزال تعمل بانتظام، ولا توجد علامات واضحة على معارضة في الصفوف السياسية، وفقًا للمسؤولين والدبلوماسيين في إيران.
ووفقًا للمسؤولين، يُدرك خامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، أن إسرائيل أو الولايات المتحدة قد تُحاول اغتياله "وفي ضوء هذا الاحتمال، اتخذ قرارًا غير مألوف بتكليف مجلس خبراء القيادة، الهيئة الدينية المسؤولة عن تعيين المرشد الأعلى، باختيار خليفته بسرعة من بين الأسماء الثلاثة التي اقترحها".
وطالما كانت خلافة خامنئي موضوعًا حساسًا وشائكًا للغاية، ونادرًا ما يُناقش علنًا، باستثناء التكهنات والشائعات في الأوساط السياسية والدينية.
وعادةً، قد تستغرق عملية تعيين مرشد أعلى جديد عدة شهور، لكن مع دخول البلاد في حالة حرب، قال المسؤولون إن المرشد "يريد ضمان انتقال سريع ومنظم للسلطة والحفاظ على إرثه".
ويتمتع المرشد الإيراني بصلاحيات هائلة، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، كما أنه "الولي الفقيه"، وهو أعلى درجة في المذهب الشيعي.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن المسؤولين، أن مجتبى، نجل خامنئي (رجل دين مقرّب من الحرس الثوري) الذي ترددت شائعات عن كونه من أبرز المرشحين، ليس من بين المرشحين.
اختراق إسرائيلي
في الأحوال العادية، يعيش خامنئي ويعمل في مجمع شديد الحراسة في وسط طهران يُسمى "بيت الرهبري" - منزل القائد- ونادرًا ما يغادره إلا في مناسبات خاصة كإلقاء خطبة. وكان يزوره كبار المسؤولين والقادة العسكريين لحضور اجتماعات أسبوعية، كما تُلقى الخطب العامة من المجمع.
ويُظهر انسحابه إلى مقر سري محصن مدى القلق مع استمرار الحرب مع إسرائيل، حيث أكد مسؤولون إيرانيون أنهم يقاتلون على جبهة ثانية أيضًا، حيث ينتشر عملاء إسرائيليون سريون ومتعاونون على الأرض عبر الأراضي الإيرانية الشاسعة، ويطلقون طائرات مسيّرة على منشآت حيوية للطاقة والجيش.
ويقول مسؤولون إن "الخوف من التسلل الإسرائيلي بين كبار قادة أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية قد هزّ أركان السلطة الإيرانية، حتى المرشد خامنئي".
ونقل التقرير عن مهدي محمدي، كبير مستشاري رئيس البرلمان الإيراني قوله في تسجيل صوتي يُحلل الحرب: "من الواضح أننا تعرضنا لاختراق أمني واستخباراتي هائل؛ لا مجال لإنكار ذلك"، مضيفًا أن "أكبر فشل لإيران هو عدم اكتشاف أشهر من التخطيط الذي قام به عملاء إسرائيليون لإحضار صواريخ وأجزاء طائرات بدون طيار إلى البلاد للتحضير للهجوم".
وينقل عن المسؤولين أن قيادة البلاد منشغلة بثلاثة مخاوف كبرى، تتمثل في محاولة اغتيال خامنئي، ودخول الولايات المتحدة الحرب، ومزيد من الهجمات ضد البنية التحتية الحيوية لإيران، مثل محطات الطاقة ومصافي النفط والغاز والسدود.
إجراءات أمنية
بلغ الخوف من الاغتيال والتسلل بين صفوف إيران حدًا دفع وزارة الاستخبارات إلى إصدار سلسلة من الإجراءات الأمنية، تأمر فيها المسؤولين بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة أو أي أجهزة إلكترونية للتواصل.
كما أمرت الاستخبارات جميع كبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين بالبقاء تحت الأرض، وفقًا لمسؤولين إيرانيين.
كل يوم تقريبًا تصدر وزارة الاستخبارات أو القوات المسلحة الإيرانيتان، توجيهات للمواطنين بالإبلاغ عن الأفراد المشبوهين وتحركات المركبات، والامتناع عن التقاط الصور ومقاطع الفيديو للهجمات على المواقع الحساسة.
وشهدت البلاد انقطاعًا تامًا في الاتصالات مع العالم الخارجي، حيث كاد الإنترنت أن ينقطع، كما حُظرت المكالمات الدولية الواردة.
وذكرت وزارة الاتصالات، في بيان لها، أن هذه الإجراءات تهدف إلى رصد عناصر العدو على الأرض وتعطيل قدرتهم على شن هجمات.
وأمس الجمعة، اتخذ المجلس الأعلى للأمن القومي خطوةً أبعد، مُعلنًا أن على كل من يعمل مع العدو تسليم نفسه للسلطات بحلول نهاية يوم الأحد، وتسليم معداته العسكرية و"العودة إلى أحضان الشعب"، محذرًا من أن كل من تُكتشف خيانته بعد هذا الموعد سيُواجه الإعدام.