وسط أجواء معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تتجاور الثقافات وتلتقي الحكايات، حضر الروائي الكويتي عبدالوهاب الحمادي بهدوئه المعهود ولغته المتزنة، ليؤكد أن الرواية بالنسبة له ليست مجرد سردٍ للحكايات، بل وسيلة لإعادة النظر في التاريخ والواقع ومساءلة الوعي الجمعي من خلال الخيال.
الحمادي، الذي حصدت أعماله اعترافًا نقديًا واسعًا ووصلت إلى القوائم الطويلة والقصيرة لجوائز عربية بارزة، فاز في عام 2021 بجائزة الدولة التشجيعية في الكويت عن روايته "ولا غالب"، ليعود هذا العام بروايته الجديدة "سنة القطط السمان" التي أثارت جدلًا نقديًا كبيرًا وبلغت القائمة القصيرة لجائزة كتارا.
في حوار أدبي، تحدث الحمادي عن أعماله الجديدة، ورؤيته للعلاقة بين التاريخ والخيال، ومستقبل الكتابة في زمن الذكاء الاصطناعي.
وأوضح أنه يشارك هذا العام في معرض الشارقة بروايته "سنة القطط السمان"، التي صدرت في القاهرة وحققت انتشارًا واسعًا، مشيرًا إلى أن دار الشروق أعادت طباعة روايته السابقة "ولا غالب" بعد نجاحها. كما كشف عن عمل جديد يتناول سيرة الأديب الكويتي أحمد مشاري العدواني، الذي عاش في مصر وكتب أغنيات غناها كبار المطربين مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، مؤكدًا أنه سيقدّم سيرته في قالب روائي يجمع بين تجربته في مصر والكويت.
وعن روايته "سنة القطط السمان"، قال الحمادي إنها مستوحاة من حادثة حقيقية في الكويت، حين اكتُشف أن أحد المطاعم كان يبيع لحم القطط على أنه مشويات، مؤكدًا أنه حوّل الحدث إلى نص رمزي يناقش الجشع والتزييف الأخلاقي في المجتمع، من خلال مزج الواقعي بالخيالي، ما جعل الرواية تثير اهتمام القراء والنقاد على حد سواء.
أما روايته "ولا غالب"، فتنتمي إلى ما يسميه الحمادي بـ"التاريخ البديل"، حيث يعيد تخيل مسار التاريخ من منظور مغاير، متسائلًا: "ماذا لو جرى العالم في اتجاه آخر؟"، وتتابع الرواية رحلة ثلاثة كويتيين يعودون بالزمن إلى غرناطة عام 1491، في لحظة سقوط الأندلس، في محاولة للتأمل في مصير الإنسان العربي.
ويرى الحمادي أن ما يجمع بين أنواعه الأدبية المختلفة — من الرواية إلى السيرة وأدب الرحلات — هو البحث عن الإنسان، موضحًا أن كتابة السيرة بالنسبة له ليست مجرد توثيق، بل إعادة بناء للذاكرة الإنسانية. كما أشار إلى أن الكاتب أحمد مشاري العدواني هو المؤسس الحقيقي لسلسلة "عالم المعرفة"، وهو ما اكتشفه أثناء بحثه التوثيقي.
ويعمل الحمادي حاليًا على مشروع توثيقي روائي يتناول شخصيات مصرية أثرت في المشهد الثقافي الكويتي في الستينيات والسبعينيات، مثل الفنان الخواجة بيجو، الذي شارك في المسلسل الخليجي الشهير "درب الزلق".
وفي رؤيته للواقعية والخيال، يقول الحمادي: "القارئ لا يبحث عن الواقع بقدر ما يبحث عن الصدق الفني، فهناك قصص خيالية تقنعك بأنها حدثت فعلًا، وأخرى واقعية تُروى بملل".
أما عن تجربته الجديدة في المسرح والسيناريو، فأكد أنها امتداد طبيعي لمسيرته الروائية، مشيرًا إلى أنه انتهى مؤخرًا من نص مسرحي سيُعرض في مصر بإخراج المخرج السوري سعد حاجب، مع رغبته في تحويل بعض أعماله الروائية إلى أعمال بصرية.
وعن طقوسه في الكتابة، يقول الحمادي إنه لا يتقيد بمكان أو وقت محدد، بل يبدأ بمسودات وأفكار متناثرة يبني حولها النص تدريجيًا، معتبرًا أن الكتابة بالنسبة له مشاهدة داخلية للفيلم قبل أن يُكتب.
ويعتبر الحمادي أن نجيب محفوظ هو العلامة الأبرز في تجربته الأدبية، قائلًا: "علّمني محفوظ أن التفاصيل الصغيرة تصنع العالم الكبير، وأن الحارة يمكن أن تكون مرآة للكون".
وفي ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، يرى الحمادي أن التقنية قادرة على إنتاج نصوص متقنة شكليًا، لكنها لن تستطيع تقليد الروح الإنسانية، مضيفًا: "الإبداع سيبقى ما دام هناك إنسان يكتب ليكتشف نفسه والعالم من حوله".