تواجه شركات سلاسل توريد أشباه الموصلات حول العالم هزات حادة مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بعد أن فرضت بكين قيودًا على تصدير المعادن الأرضية النادرة، في حين ردت واشنطن بتعريفات جمركية مشددة وضوابط جديدة على تصدير البرمجيات.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن الخطوة الصينية تُعد الأكثر تأثيرًا حتى الآن، إذ تسعى بكين إلى توسيع نطاق سيطرتها على الشركات الأجنبية بهدف تعطيل إنتاج الرقائق اللازمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وردًا على ذلك، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية، إلى جانب حظر تصدير البرمجيات "الحيوية".
هذه المستجدات تهدد بتأخير شحنات شركة ASML الهولندية، المُنتج الوحيد عالميًا لأجهزة تصنيع الرقائق المتقدمة، والتي تعتمد على المعادن النادرة لتشغيل مكوناتها الدقيقة مثل الليزر والمغانط، ما يجعلها عرضة لأي خلل في الإمدادات.
ويرى مراقبون أن المعادن الأرضية النادرة تحولت إلى أداة ضغط جيوسياسي رئيسية في التنافس الصيني–الأمريكي، بما يحمله ذلك من خطر على استقرار قطاع الرقائق العالمي والتطور التكنولوجي المرتبط بالذكاء الاصطناعي.
رسوم 100% وردود متبادلة
مسؤول في إحدى كبرى شركات تصنيع الرقائق بالولايات المتحدة أكد أن الخطر المباشر يكمن في ارتفاع أسعار المغانط المعتمدة على المعادن النادرة. وفي المقابل، بدأت شركات أمريكية بحصر المنتجات التي تحتوي على معادن مصدرها الصين خشية تعطّل الإمدادات.
وتُلزم القوانين الصينية الجديدة الشركات الأجنبية بالحصول على موافقات لتصدير المواد التي تحتوي على معادن نادرة، حتى وإن كانت بكميات صغيرة، مع تركيز خاص على المكونات المستخدمة في تصنيع الرقائق المتقدمة والتطبيقات العسكرية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وترى مراكز بحثية أمريكية أن هذه الخطوة تمنح بكين نفوذًا واسعًا على الشركات العالمية.
من جانبها، بدأت شركة ASML اتخاذ إجراءات احتياطية، خصوصًا مع اشتراط الصين موافقتها على إعادة تصدير المواد التي تتضمن معادنها. وتدفع الشركة حكومتي هولندا والولايات المتحدة للبحث عن بدائل.
ويحذر خبراء من أن القيود الصينية ستؤثر على الشركات التي تعتمد على المغانط والمواد الكيميائية المحتوية على المعادن النادرة في عمليات إنتاج الرقائق.
تصعيد سياسي حساس
يأتي هذا التصعيد في توقيت دقيق، إذ كان ترامب يعتزم زيارة آسيا للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، لكن القيود الجديدة دفعته للتهديد بإلغاء الزيارة، واصفًا ما قامت به بكين بأنه "عمل عدائي"، ومؤكدًا أنها "لا يحق لها احتجاز العالم رهينة".
وأضافت واشنطن إلى لهجتها التصعيدية فرض رسوم جمركية تصل إلى 130% على السلع الصينية اعتبارًا من الشهر المقبل، في خطوة تعيد التوتر بعد هدنة تجارية قصيرة. وكانت الصين قد استخدمت المعادن النادرة سابقًا كورقة ضغط في مواجهات مماثلة قبل التوصل لاتفاقات مؤقتة.
في المقابل، لم تُدلِ شركات كبرى مثل سامسونغ، وتايوان لتصنيع أشباه الموصلات، وإنتل بأي تعليق حتى الآن، رغم اعتمادها على أجهزة ASML. وتدرس الإدارة الأمريكية تبعات القيود الصينية المفروضة دون سابق إنذار، وسط مخاوف من تأثيرها على السيطرة على سلاسل التوريد التكنولوجية العالمية.
وفي أوروبا، أعلنت ألمانيا قلقها من الخطوة الصينية، كاشفة عن تعاون مع المفوضية الأوروبية لتنويع مصادر المواد الخام. أما تايوان، التي تعتمد على واردات المعادن النادرة من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، فأكدت أنها تراقب الوضع قبل اتخاذ أي قرارات.
من زوايا العالم
من زوايا العالم
من زوايا العالم